عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

قصة حياة الفنانة إيفلين بوريه، التى توفيت عن عمر 82 عامًا منذ أيام بقرية تونس فى محافظة الفيوم، حيث استقرت فيها منذ أكثر من 50 عامًا، تستحق أن يقرأها الكبار (المسئولين) قبل الصغار.. هى قصة فتاة تشبه الأميرات تخلت عن جنة خضراء من الغابات وسط جليد سويسرا لتعيش فى صحراء الفيوم!

درست إيفلين بوريه، الفنون التطبيقية فى بلادها، وعندما جاءت مصر فى عام 1956 لزيارة والدها الذى كان يعمل ويعيش فيها التقت بالشاعر الراحل سيد حجاب، وتزوجا، ومن خلاله تعرفت على النخبة من الأدباء والمثقفين المصريين ومنهم عبدالرحمن الأبنودى، وجمال الغيطانى وصلاح عيسى.. وغيرهم، ويقال إنها التقت المفكر الفرنسى جان بول سارتر، أثناء زيارته لمصر فى عام 1966، لمناشدة الرئيس جمال عبدالناصر، للإفراج عن زوجها حجاب وزملائه الأبنودى والغيطانى وعيسى المعتقلين لآرائهم ومواقفهم السياسية.. ومنذ ذلك الوقت قررت إيفلين بوريه أن تكون فلاحة مصرية تعيش مثلها، فاشترت بيتًا فى قرية «تونس»، وقت أن كانت القرية بلا بماء أو كهرباء، فعاشت على لمبة الغاز، ومياه « الطلمبة»، وأسست مدرسة للخزف والفخار بالقرية، حيث أشرفت بنفسها على تعليم الراغبين من أبناء القرية عمل مصنوعات خزفية وفخارية، وأقامت لهم معارض حتى أصبحت قرية «تونس» مزارًا عالميًا.

ربما فى البداية سعت إيفلين بوريه كفنانة إلى حياة بين أحضان الطبيعة والصحراء والمياه، ثم اكتشفت صعوبة أن تعيش مستمتعة بهذا الجمال بمفردها، وأن البشر الذين يعيشون حولها من أهالى الفيوم لهم الحق كذلك فى الاستمتاع بجمال بلادهم وطبيعتها، بعكس الذين يحاولون الآن الهروب من الناس داخل منتجعات معزولة بعيدًا عن الفقراء والمهمشين.. بينما اكتشفت فلسفة الفنانة السويسرية إيفلين بوريه فى علاقتها مع أهالى الفيوم أن الأطفال يتمتعون بإمكانات فنية كبيرة، حيث يصنعون بأنفسهم من الطين والعجين ألعابهم على شكل عرائس أو حيوانات!

وفى لقاء مع إيفلين بوريه مع التليفزيون المصرى عام 2019 قالت إن أهل القرية فنانين بالفطرة فقد تعودوا على صناعة الأشكال الفنية المختلفة أثناء اللعب بالطين، وأثناء عجن الخبز بمهاراتهم فنية عالية، مؤكدة أنهم يستطيعون تنفيذ منتجات ليس بإمكانها هى أن تصنعها.

وللأسف.. ورغم عقود عاشتها بوريه فى مصر حتى وفاتها ودفنها، لم يتسن لها الحصول على الجنسية المصرية حتى بعد محاولات استمرت عشرات الأعوام، ولكن الحكومة منحتها منذ أعوام تصريح إقامة لفترة طويلة.. ويناشد أهالى الفيوم وخصوصًا قرية تونس الحكومة تعويض إيفلين بوريه عن الجنسية المصرية التى طالما تمنتها بتطوير قرية تونس والحفاظ عليها كمركز ثقافى وفنى، حيث إن هناك مخاوف من عدم الحفاظ على هويتها وحالة الفن التى اشتهرت بها محليًا ودوليًا.

ولا عجب.. أن إيفلين بوريه أوصت بدفنها فى القرية التى منحتها عمرها، ولا عجب أن أهالى «تونس» والفيوم خرجوا وراء نعشها وودعوها بكل احترام ووقار، ورفعوا لافتة تعبر عن حزنهم البالغ على رحيلها، كتبوا عليها «تونس تعزى فى رحيل أم أنجلو المعلمة الفاضلة ومؤسسة مدرسة الفخار».. وأن أقل ما يمكن عمله لتقدير هذه السيدة العظيمة بتحويل منزلها إلى متحف.. دافع لكل من يريد أن يعمل عملًا مفيدًا، وأن يكون مع الناس وليس منعزلًا فى منتجع بعيدًا عن الناس!

[email protected]