رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقي

 

 

غدًا، 8 يونيو تمر الذكرى الثانية والسبعون على رحيل العبقرى نجيب الريحانى، إذ غاب عن عالمنا فى 8 يونيو من سنة 1949 تاركا لنا رصيدًا وافرًا فى بنك المسرح لم نشاهد منه ولا مسرحية واحدة من تمثيله هو شخصيًا، فقد مات الرجل قبل أن تعرف مصر الطريق إلى التليفزيون لتصوير العروض المسرحية (الأمريكان اخترعوا التليفزيون عام 1926، والمصريون عرفوه عام 1960).

أما فى السينما فمازلنا نستمتع بأفلامه القليلة التى يحتفظ بها أرشيفنا السينمائى وهى بالترتيب وفقا لتاريخ العرض: (ياقوت 1934)، (سلامة فى خير 1937)، (سى عمر 1941)، (لعبة الست/ أحمر شفايف 1946)، (أبو حلموس 1947) وأخيرًا (غزل البنات) الذى عرض فى 22 سبتمبر 1949، أى بعد وفاته بأكثر من ثلاثة أشهر.

لم يكن نجيب الريحانى ممثلا فذا فحسب، بل كان مؤلفا ومقتبسًا وممصرًا لنصوص مسرحية أجنبية كثيرة أنجزها بالتعاون مع صديق عمره بديع خيرى، فالأفلام مازالت تحمل اسميهما فى التأليف وكتابة الحوار، مثلما كان يحدث فى المسرحيات التى قدمتها فرقته، ومن حسن الحظ أن بعض هذه النصوص المسرحية أعاد تمثيلها نجوم كبار فى عصر التليفزيون، فشاهدناها بأداء عادل خيرى وفؤاد المهندس وفريد شوقى.

المثير بحق أن الجميع اتفق على عبقرية الريحانى فى فن التمثيل، فقد وصفه محمود ياسين بأنه أعظم ممثل فى العالم، وقال عنه نور الشريف إنه ممثل عبقرى، وقال سمير غانم إنه من عشاق الريحانى، أما فؤاد المهندس فقد انزعج بشدة عندما سأله الإعلامى مفيد فوزي: (أستاذ فؤاد هل تمردت على الريحاني؟)، فأجاب بعصبية: (الريحانى مدرسة ضخمة تعلمنا فيها لا يمكن أن نتمرد عليها)، فعقب مفيد سريعًا: (أقصد... هل قمت بإجراء تطويرات داخل تلك المدرسة نفسها)، فهدأت ملامح الفنان الكبير وقال معاتبًا: (أيوة كدة... حسّن ملافظك).

فى حين أن فريد شوقى أفصح عن محاولاته الفاشلة فى تغيير أو إضافة ولو كلمة واحدة فى مسرحية (الدلوعة) التى كتبها الريحانى وبديع، مؤكدًا أن النص بالغ الإحكام، وقد أكد ذلك فؤاد المهندس حين كان يحضر بروفات مسرحيات الريحانى فى حياته وبحضوره، حيث ذكر أن عبدالفتاح القصرى أضاف جملة من عنده، فأوقف الريحانى البروفا، وسأله غاضبًا من أين أتيت بها؟ وبالفعل لم تتم إضافتها لأنها فى غير محلها وستضعف سياق العمل.

حسنا... من أين أثمرت عبقرية الريحانى وأينعت هكذا؟ ولماذا؟

فى ظنى أن الرجل ابن بار من أبناء ثورة 1919، تلك الثورة الجبارة فى تاريخنا الحديث، والتى زلزلت أنفس المصريين بقوة، إذ قرروا بعدها بضرورة اللحاق سريعًا بركب الحضارة إثر قرون قضوها فى مستنقع التخلف، وأنه لا تثريب عليهم إذا تعلموا من أوروبا واقتبسوا من معارفها فى المجالات كافة، فكم دعا طه حسين ويحيى حقى وزكى نجيب محمود بحتمية الأخذ بأسباب التقدم الذى بلغته دول الغرب من تطور فى العلم والفكر والأدب والقانون، وقد استجاب المزاج العام المصرى فى ذلك الزمن البعيد لتلك الدعوات، لكن مع الربع الأخير من القرن العشرين انطلقت أصوات تلعن الغرب الكافر وتعاديه، بل تطالب بمخاصمة أفكاره وعلومه، وزاد الأمر سوءًا أن هذه الأصوات وجدت لها صدى فى عقول الملايين الذين خُدعوا بمعسول الكلام عن هويتنا المعرضة للخطر، وأن هذا الغرب يستهدف محاربة ديننا الحنيف!

باختصار... عبقرية الريحانى نتاج موهبته الخارقة من جهة، وشغف المصريين فى تلك الأيام الخوالى بالتطور والعمل على تحقيقه من جهة أخرى، وإذا كان الريحانى قد ولد فى القرن التاسع عشر، فإنه أسعد الناس فى القرن العشرين... ومازال، فهو أعجوبة عابرة للقرون.