رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هموم وطن

 

 

 

عبارة «اتبرع ولو بجنيه» انتشرت فى السنوات الأخيرة وتم تداولها فى اعلانات بالملايين، بطريقة جعلت المتبرع يضرب أخماسا فى اسداس ليخرج بنتيجة طبيعية مفادها أن الجنيه الذى يستخدم فيه المذيع أو النجم أرق الطبقات الصوتية لديه لحثه على استخراجه، أصبحت لا تنطلى عليه بعد أن علم بالسعر الخرافى للدقيقة الاعلانية وأجر النجم وأجر المجموعات التى تظهر معهم والديكورات والملابس ليجد فى النهاية أن الجنيه الذى يملكه لن يقدم ولن يؤخر أمام البهرجة التى يشاهدها على مدار اليوم.

كما أن تعدد مصارف الزكاة أمام الجنيه الذى يمتلكه المواطن البسيط زادت عن الحد وتحولت من النبرة الحزينة التى يرددها الطفل المصاب بالسرطان إلى نبرات مختلفة تتنقل بين سهم الأضحية وسهم الغرفة وسهم العلاج وسهم النخيل وسهم الآبار وسهم الطعام وسهم شنطة رمضان، بالاضافة إلى أرقام الحسابات المختلفة التى اختلطت عليه واسماء البنوك والمصارف والمندوبين الذين سيأتون حتى باب منزله المتواضع، يقودون سيارات أو دراجات ناريه ليحرروا له إيصالا يضعه فى جيبه ليناجى به ربه باستجابته للتبرع وإخراج الزكاة بما استطاع إليه سبيلا.

وأمام هذا كله يلجأ المواطن المصرى والذى من طبيعته الحرص الزائد فى المواسم الدينية على إرضاء ربه بإخراج الصدقات السرية، وغالبا يؤدى زكاة ماله وزكاة الفطر فى مصارفها المعلومة لديه والراسخة فى ذهنه، بعد جلسة تشاوريه مع أهل منزله أو أصدقائه أو جيرانه، ليجلسوا معا ويضعوا قائمة بالمستحقين فعلا لهذه الأموال، ويتم توزيعها على المنازل بطريقة لا تجرح مشاعر أصحابها سواء كانت مواد غذائية أو نقودا أو ملابس، دون أن يخرجوا للشوارع ليختلطوا مع محترفى التسول الذين يستخدمون التكاتك بايجارات تزيد عن المائتى جنيه فى الليلة، للمرور على المنازل بروشتات وأشعات وتقارير طبية وهمية لتحصيل الجنيه الذى كان سيمر مندوب الجمعيات والمستشفيات لتحصيله.

آن الأوان لكى تتحرى الدولة عن أرقام هذه الحسابات بجميع البنوك وتعلم كيف يتم إنفاقها، وهل هذه الجمعيات والمؤسسات نحمل موافقات بجمع التبرعات من عدمه (وهل كل هذه الكيانات التى أصبحت لاتقتصر على التليفزيون فقط وامتدت إلى الصحف والانترنت ومؤخرًا اذاعة القرآن الكريم) تخضع لاشراف الجهاز المركزى للمحاسبات والأموال العامة من عدمه؟

شاهدت تجربة رائعة ببلدتى يقوم بها مجموعة من الشباب يقودهم الصديق أحمد تهامى، حيث يمرون على المنازل فى شهر رمضان مرتين، مرة فى الصباح لتوزيع (صوانى) الطعام المصنوعة من الفوم  لعمل حصر لعدد الوجبات التى يستطيع كل منزل تجهيزها ويتم تجميع هذه الأعداد فى غرفة عمليات يقودها شباب متطوعون أيضا، ويقومون بمهمة تقسيم القرية إلى عدة قطاعات ومعرفة اعداد البيوت التى لا تطبخ فى رمضان وتأتى الزيارة الثانية ليتم منح أصحابها الأولوية فى التوزيع قبل غيرهم، ثم يتم توزيع باقى الوجبات على الأكثر احتياجا فالأقل ثم الأقل.

وهنا لا يعرف المواطن الذى يخرج وجبات ساخنة إلى من تصل صدقته، كما لا يعرف المواطن الذى يتلقى هذه الوجبات بعدد أفراد أسرته من الذى ارسلها لعدم جرح مشاعرهم، وهكذا يحدث التكافل فى أجمل صورة دون وقوع أدنى شك فى قلب من يخرج الزكاة، ودون أن يحدث أدنى حرج فيمن يستقبلها. عاشت مصر وعاش أهلها الذين يضربون أفضل الأمثال فى التراحم والتكافل والتصدق، بعيدًا عن بروباجندا اعلانية بدأت بالتبرع بجنيه وبلغت عوائدها المليارات تستحق الرقابة على تحصيلها وعلى انفاقها.. والله من وراء القصد.