رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقي

أجل... أبهرنا العالم كله بموكب المومياوات الملكى المهيب الذى انطلق من المتحف المصرى بميدان التحرير مساء 3 أبريل مخترقا شوارع القاهرة حتى بلغ مستقره فى متحف الحضارة بالفسطاط، كما أذهلنا الملايين بهذا الانضباط الفنى الصارم الجميل والذى تجلى فى الإضاءة والتصوير والموسيقى والغناء والأزياء، الأمر الذى جعل أنهار الفخار تتدفق فى شرايين المصريين، فالعالم كله شاهد مبهورًا تلك الدقائق التاريخية الملونة التى استردت بهاء المجد المصرى القديم بشموخه وعزته وسحره.

ومثل كل الناس تابعت بشغف الاحتفال الجليل بقلب ينتشى بالعظمة، وانهمرت الأحلام الرائعة فى جمجمتى لتلعب بخيالى وترفرف فوق الموكب العجيب، فرأيت مصرنا العزيزة وقد استعادت فضيلة إتقان العمل فى المجالات كافة بعد سنين عجاف كنا قد نسينا فيها هذه الفضيلة الحاسمة، فشاهدت المسؤولين يأمرون بجمع القمامة من أحياء مصر وشوارعها ويوفرون الناقلات والحاويات لإتمام المهمة حتى صارت مصر خالية تمامًا من أى كوم (زبالة)، كما تأملت العمال وهم يزرعون الحدائق فى كل بقعة سكنية لتوفير المزيد من الأجواء الصحية بجانب اللمسات الجمالية التى توفرها الأشجار والزهور.

ووثبت الأحلام فى رأسى إلى ذرى أخرى، فرأيتهم يضعون الخطط الناجعة لتطوير التعليم فى جميع مراحله، بحيث يتلقى كل طالب أحدث وسائل العلم الحديث وهو فى مدرسته أو جامعته المصممة على أفضل طراز يواكب الطفرات المتلاحقة فى تطوير التعليم فى العالم المتقدم، فأعدنا حصص الرسم والموسيقى والخط العربى وشجعنا النشاط المسرحى، كما راودتنى أحلام أخرى تبشر بالخير، إذ تابعت همة المصريين وهم ينشئون المستشفيات فى كل مدينة كى تحمى أجساد الناس من العطب وتوفر لهم الخدمات الصحية بأسعار زهيدة، وزادت الأحلام رونقا، فرأيتهم يوفرن اللقاح ضد فيروس كورونا الوغد لجميع المصريين، حيث نجحوا فى تطعيم خمسين مليون مصرى فى ستة أشهر فقط، حتى نحفظ حياة الملايين، بعد أن فقد العالم كله أكثر من ثلاثة ملايين إنسان بسبب هذا السفاح الخفى.

يخترق الموكب الملكى المبهر شوارع القاهرة فتتأمله الحشود بذهول، وتتناسل الأحلام فى رأسى، وأرى بلدى وقد تعامل مع شؤون الثقافة والإبداع بالتى هى أحسن، فأنشأنا المزيد من قصور الثقافة فى كل قرية وكفر ونجع، وأعدنا تشغيل ما هو متوقف ووفرنا للشباب فى كل أنحاء مصر ما يفجر طاقاته الإبداعية الخلاقة فى المسرح والسينما والرواية والشعر والموسيقى والغناء. وقادتنى الأحلام إلى مصر جديدة عفية تحتفل بالجادين الموهبين وترعاهم فتمنحهم ما يليق بهم من مكانة وكرامة ومجد، وفى الوقت نفسه تزيح عن مراكز القيادة والتأثير الأفاقين والكذبة وأرباع الموهوبين.

ولما بلغ الموكب العجيب متحف الحضارة انقطعت الأنفاس من روعة المشهد، وانسالت الأحلام تباعًا، فرأيت مصر وقد انحازت تمامًا للتفكير العلمى العقلانى، ومنحت أصحابه الصلاحيات اللازمة كى ينشروا أفكارهم ورؤاهم لتدحض خرافات المتطرفين وكراهيتم للحياة، وقد وقف أصحاب الرؤى التى تنتصر للعقل والعلم والآداب والفنون... وقفوا بالمرصاد ضد الذين يرفوض العصر ويطالبون باتباع من سبقونا فى كل شيء دون نقد أو تمحيص.

ومع إسدال الستار على جلال الموكب الملكى للمومياوات ظلت الأحلام تتقافذ فى رأسى، فتمنيت أن نعمل بكل السبل على الحفاظ على ماء النيل، فلا نخسر منه نقطة واحدة، ولا نحرم الأجيال القادمة من حقهم المشروع فى النيل الذى يجرى منذ الأزل فى بلادنا، وفى الوقت نفسه نجتهد بدأب من أجل أن ننشر فى ربوع مصر كلها قيم العدل والإنصاف والحرية والحق والخير والجمال، فأجدادنا الأفذاذ الذين صنعوا الحضارة المذهلة القديمة سيتململون فى رقادهم كثيرًا إذا خسر أحفادهم معركة بناء الحضارة الحديثة.