عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

على مدار السنوات الماضية ومن خلال كتابات عديدة أشرت إلى قلقى على ما يجرى من تطورات بشأن أزمة سد النهضة وموقف مصر الذى بدا لى وللبعض يثير التساؤلات فى ضوء التعنت الإثيوبى الذى لم تخطئه العين، أى عين.

غير أن هذا التحفظ، على موقفنا الرسمى، إذا صح وصفه على هذا النحو، ارتبط بأمرين أولهما أنه يتأتى من حقيقة أننا ربما لا نرى الصورة كاملة، وثانيهما الإيمان الذى لا يمتد إليه ذرة شك فى أن المفاوض المصرى لا يمكن أن يفرط بأى حال من الأحوال فى نقطة ماء.

صحيح أن ذلك الإيمان بدا فى لحظات وكأنه سراب، غير أنه لم يتزعزع، إلى أن جاءت تصريحات الرئيس السيسى أمس الأول لتؤكده بكل المعانى ولتكون تلك التصريحات بمثابة فلق الصبح الذى بدد ظلام الليل.

أظن أنه لا يمكن أن يختلف اثنان على أن تلك التصريحات تعد الأولى من نوعها التى تصدر من الرئيس وعلى هذا النحو وبهذه اللغة الحازمة الجازمة التى لا يرتقى إليها الشك فى أنها يمكن أن تسلك طريقها إلى الفعل والتطبيق على أرض الواقع.

إنها ذات اللغة التى صدرت عن الرئيس السيسى فى أزمة ليبيا وحديثه عن كون سرت والجفرة خط أحمر وهى اللغة التى أتصور– وقد كتبت عن ذلك من قبل– أنها أتت أكلها وكانت ربما سببًا فى وصول الأزمة الليبية إلى المرحلة التى هى عليها الآن وبشكل موات للتصور المصرى. لست فى وارد تفسير تصريحات الرئيس التى تعبر عن نفسها بشكل جلى يتبدى فى قوله «محدش هيقدر ياخد نقطة ميه من مصر، وإلا هيبقى فى حالة من عدم الاستقرار فى المنطقة لا يتخيلها أحد، ومحدش يتصور أنه يقدر يبقى بعيد عن قدرتنا». صحيح أن الرئيس أشار وبوضوح إلى أنه لا يهدد أحدًا لأن ذلك ليس ديدن مصر، غير أن كل لبيب بالإشارة يفهم.

المتابع لتصريحات الرئيس السيسى بشأن هذه الأزمة بالذات، ربما سيلمس أنها كانت فى جوهرها بردًا وسلامًا على مسار المفاوضات، لم يصدر من الرئيس ما يمكن أن يخدش بأى حال من الأحوال حياء المفاوضات. غير أنه للدقة فإن المرة الوحيدة التى ربما اشتم منها البعض ذلك تتمثل فى تلك التى ذهب فيها الرئيس إلى أن «العفى لا يأكل أحد لقمته» فى تورية بعيدة على أمل أن يفهمها الخصم!

وإذا كنت قد حرصت على تشبيه صبر المفاوض المصرى، الذى هو الرئيس بالأساس، بأنه صبر أيوب، فإن السؤال: هل نفد صبر أيوب؟ فى تقديرى أن المسألة لا تتعلق بذلك، وإنما أن الأمر تجاوز الصبر وأصبح الخطر على الأبواب وسط إصرار إثيوبيا على الملء الثانى فى موعده بعد شهور بما يعنى، حال تحقق ذلك، أن الآوان قد فات لأى موقف مصرى أو سودانى، ولعله من هنا يأتى تحذير الرئيس السيسى وبتلك المفردات القوية التى لا تحتمل لبس بفعل خشونتها رغم عدم تصريحها فعليًا بأى «عمل عسكري».

قد يرى البعض فى تلك النقلة فى الموقف المصرى الرسمى بعض التأخير وأنه ربما لو تمت صياغته على هذا النحو مبكرًا لكان أفضل. ولأنه لا يوجد من يمتلك الحقيقة على وجه الأرض، فإن وجهة النظر تلك تمتلك، من وجهة نظرى، بعض الوجاهة. غير أنه فى ضوء حقيقة أن السياسة لا تسير على أرض منبسطة وممهدة وإنما فى أرض وعرة ذات جبال وهضاب ومنحنيات تقتضى عمليات مناورة، فإننى أدعوك لأن تتصور أن تلك الرؤية لا تعكس سوى موقف جنرالات المقاهى. وبغض النظر عما إذا كنت أنا أو أنت منهم، فليس فى ذلك ما يهم.. وإنما ما يهم إدراك الخصم أنه لم يعد فى مقدوره أن يحقق ما تصوره من أخذ نقطة مياه من مصر!

[email protected]