رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

 

 

ما الذى جعل الطالبة المسكينة أميمة عبدالوهاب تهرع فى السابعة صباحًا نحو العمارة التى يقطن فيها عبدالحليم حافظ بالزمالك فور سماعها نبأ رحيله، لتلقى بنفسها من الدور السابع، فتموت فى الحال؟ وقد تركت رسالة دامعة لأهلها كتبت فيها بالحرف: (سامحنى يا رب على ما فعلت. لم أقوَ على تحمل هذه الصدمة بوفاة أعز وأغلى ما فى الحياة، عبدالحليم حافظ، فقد كان النور الذى أضاء حياتى، واليوم الخميس كرهت الحياة فى اللحظة التى قرأت فى الصحف خبر وفاته).

حسب علمى، لم يقدم إنسان مصرى على الانتحار من أجل مطرب، وبالمناسبة لم يرتكب هذه الجريمة سوى المسكينة أميمة، بعكس ما هو شائع بأن البنات انتحرن بالعشرات يوم رحيل العندليب.

فى ظنى أن حليم الذى رحل مساء الأربعاء 30 مارس 1977 كان فلتة عجيبة فى تاريخنا الغنائى، إذ تضافرت عدة عوامل مجتمعة يسرت له أن يتبوأ تلك المكانة السامقة فى دنيا الغناء والطرب. من أبرز هذه العوامل أنه ظهر فى زمان سياسى مختلف تمامًا عما قبله، فهو ابن ثورة يوليو 1952، ولم يترنم أبدًا بفضائل العهد الملكى، مثل كل الذين سبقوه، كما أن الأفلام التى قام ببطولتها (15 فيلمًاً وثلث فيلم، وأقصد البنات والصيف 1960) عرضت جميعها فى زمن عبدالناصر، بداية من 1955 (لحن الوفاء/ أيامنا الحلوة)، حتى 1969 (أبى فوق الشجرة)، أى أنه صوت جديد تمامًا لم يغنّ فى عهدين، ولم يمتدح ملكاً، ثم تغزل فى رئيس، مثل كل المطربين الذين عاصروا فاروقاً وعبدالناصر!

لا يغيب عن المستمع الذكى أن صوت عبدالحليم كان مترعًا بحنان هادئ، وأنه واضح النبرات، رغم أنه ليس بقوة صوت مثل محمد قنديل أو محمد رشدى ولن نقول أم كلثوم أو عبدالوهاب، كما أن بنيانه الجسدى الضئيل وقسماته الهادئة ومرضه المعروف كل ذلك عزز من تعاطف الناس مع هذا المطرب الشاب، ومع ذلك هناك سر كبير يتفوق على كل هذه الظروف هو الذى قفز بعبدالحليم إلى ذرى غير مسبوقة فى عالم الموسيقى والغناء، فما هو؟

هذا السر هو انحيازه للغناء لطلاب الجامعة والمدارس الثانوية باللهجة القاهرية، وقد أدت مجانية التعليم فى زمن عبدالناصر إلى دخول الملايين المدارس والجامعات، هؤلاء الملايين هم جمهور حليم الأول، فهو رومانسى مثلهم يشدو للشعر الحرير (ع الخدود يهفهف)، أو يصدح متدلهاً (باحلم بيك أنا باحلم بيك)، أو (بتلومونى ليه لو شفتم عينيه)، وغير ذلك من عشرات الأغنيات الرقيقة التى تدغدغ مشاعر الطالب والطالبة، إذ كان من الصعب جدًا أن يردد عبدالحليم مثل محمد فوزى (يا اولاد بلدنا يوم الخميس هاكتب كتابى وابقى عريس) أو مثل عبدالعزيز محمود (يا شبشب الهنا ياريتنى كنت انا) أو محمد عبدالمطلب (ساكن فى حى السيدة)، أو محمد رشدى (تحت الشجر يا وهيبة)، أو محمد قنديل (يا رايحين الغورية هاتوا لحبيبى هدية)، إلى آخره.

إن عبدالحليم نغمة أخرى مغايرة تمامًا عن هؤلاء، يتكئ على اللهجة القاهرية التى يرددها الطالب الرومانسى بطبعه، وليس ابن البلد البسيط أو الفلاح فى القرية، وهى لهجة ناعمة رقيقة حالمة سهلة النفاذ إلى الوجدان. وما يؤكد ذلك أنه لعب دور الطالب، أو خريج الجامعة فى كل أفلامه، باستثناء فيلم (دليلة/ 1956) حيث تقمص شخصية كهربائى، ففشل الفيلم!

باختصار... عبدالحليم هو النموذج الفنى الأمثل، فى لحظة تاريخية معينة، الذى يعبر عن أحاسيس الغرام لدى الطالب القاهرى جنبًا إلى جنب مع مشاعره الوطنية المتأججة، لذا عندما مات، فقدت الطالبة أميمة رشدها، وانتحرت!