رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

تبقى رحلة الدكتور شاكر عبدالحميد (2021-1952) أستاذ علم نفس الإبداع فى أكاديمية الفنون، وزير الثقافة الأسبق، فى الصغر، من قرية ديروط التى ترتمى تحت أقدام الجبل بأسيوط إلى مدينة بورسعيد التى تسبح فى حضن البحر، تشكل منذ كان صغيرًا ملامحه السلوكية والفكرية المميزة لشخصيته ما بين «صخب» الجبل الصعيدى الصامت، و«هدوء» البحر الهادر!

وهذا ما أوضحه مفكرنا الراحل بنفسه أن هذا الهدوء الخارجى ليس إلا شكلًا ظاهريًا لصخب الأفكار الباطنية والصراع الداخلى مع الإنتاج الفكرى والإبداعى.. وهذا الصراع قدم من خلاله ما يزيد على 30 كتابًا وعشرات الدراسات والبحوث العلملية الرصينة.. هى ثروة فكرية متنوعة من التأليف والترجمة فى مجالات علم النفس والأدب بدأها بكتاب «السهم والشهاب»، وعنوانه كان مجرد مقالة كتبها فى إحدى نشرات الماستر التى كانت تنشرها ذاتيًا جماعات ثقافية خارج المنظومة الرسمية والحكومية للنشر فى الثمانينيات، وذلك بعد الوفاة المفاجأة للقاص يحيى الطاهر عبدالله الذى دخل مجال الأدب كالسهم السريع، ولمع كالشهب ثم رحل وانطفأ صغيرًا.. وتضمن الكتاب كذلك مجموعة من دراسات فى نقد الرواية والقصة القصيرة!

ومن الغريب أن صدمة رحيل الدكتور شاكر عبدالحميد لم تكن بعيدة عن صدمة رحيل يحيى الطاهر.. فقد أثار غيابه كذلك المفاجئ وهو فى قمة إبداعه الفكرى حزنًا عامًا فى الأوساط الثقافية والأدبية فى مصر والعالم العربى، وفى الوقت الذى كنا فيه مازلنا نتصفح آخر كتبه «الدخان واللهب»: عن الإبداع والاضطراب النفسى»، وهو محاولة لفهم العوامل التى تدفع بعض المبدعين إلى الوقوع أسرى الاضطراب العقلى، وفيه يدرس كتب عدد من المبدعين الذين عانوا من أمراض نفسية، مثل الاكتئاب والهوس العقلى، حيث يحلل إصابة تشايكوفسكى (1840-1893) بالهوس، ومعاناة شوبان (1810-1849) من الاكتئاب.

وللأسف لم تسعف كورونا اللعينة الدكتور شاكر عبدالحميد الوقت للفرح بإصدار كتابه الجديد الذى كان قد انتهى من ترجمته وهو بعنوان «الثروة الإبداعية للأمم» للخبير الاقتصادى فى البنك الدولى باتريك كاباندا، وهو كتاب مهم لكيفية تحويل الدول الأفريقية والأسيوية وحتى الأوروبية الفقيرة ثروتها من الفنون والآداب إلى منتج اقتصادى يسهم فى الدخل القومى!

الدكتور شاكر عبدالحميد ابن ثورة يوليو، الذى شهد موت شقيقه الصغير أثناء التهجير من بورسعيد فى عدوان 56، وإصابة شقيقه الأكبر فى حرب أكتوبر 73، جعل من كل إبداعه الفكرى محاولة لتحقيق مشروعين وطنيين كبيرين كانا حلم حياته، وأعتقد أنه كان على بعد لخطوات من البدء فى تحقيقهما وهما تأسيس مركز لدراسات الشخصية المصرية، ووضع استراتيجية ثقافية لمصر.. وكانت لديه رؤية شاملة عن هذا المركز وتلك الاستراتيجية، وأعتقد أن بعضًا من ملامحهما قاله فى لقاءاته التليفزيونية والصحفية الأخيرة!

إن أقل شيء يمكن أن نعمله لفقيدنا الكبير، وخصوصًا المبدعين المصريين الذى طالما الدكتور شاكر بحث ودرس وقدم أعمالهم للجمهور، أن يتبنوا هذين المشروعين فقد كانا أمله، وأن ترجمة كتابه الأخير الذى لم يصدر بعد عن كيفية تحويل إبداع الأمم إلى صناعة حقيقية لها مداخيل، كان بمثابة تدشين لمركز الشخصية المصرية، ووضع استراتيجية ثقافية لمصر.. وأناشد الفنانة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، وهى من أكثر الناس معرفة بحجم علم ووطنية الدكتور شاكر عبدالحميد، بتنظيم مؤتمر يناقش فيه المفكرون والمبدعون المصريون كيفية الاستفادة من الإبداع المصرى.. فإن شاكر عبدالحميد مبدع ومفكر مصرى كبير، ورحيله أكبر من أن يتلخص فى كلمات رثاء.. ثم نعود لبيوتنا وإلى مشاغلنا الصغيرة التافهة!

[email protected]