رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لحظة فلسفة

 

 

عالم الفيزياء والفضاء الأشهر «ستيفن هوكينج» يرى أن العلم قتل الفلسفة. هذه الأخيرة تتغذى على المجهول. تزدهر مع توسع مساحة اللايقين فى الحياة. الفلسفة، إذ تطرح أسئلتها عن العالم، تقتضى توفر قدرٍ من الدهشة حيال ظواهره المختلفة. فى غياب الدهشة لا وجود للفلسفة. العلم، وهو يحمل إلينا اليقينى والمؤكد، لا يترك للدهشة مساحة أو للفلسفة مكاناً. هو يُقلص مساحة المجهول يوماً بعد يوم. بل إنه يتسلل لمساحاتٍ كانت فى الماضى حكراً على التفكير الفلسفى وحده.

خُذ مثلاً مُعضلة محيرة كثنائية العقل والجسد، أو الروح والجسد. إنها قضية فلسفية خطيرة ومُلغزة طالما كانت فى الماضى محوراً لتراث فلسفى عريض، من الشرق والغرب. يندر أن تصادف مدرسة للفلسفة، أو الفكر الديني، لم تتعرض لهذه القضية بصورة أو بأخرى. أشهر من تناولها هو الفيلسوف «رينيه ديكارت» (1596-1650) الذى قال بثنائية العقل والجسد. أى أن العالم مكون من «شيئين» جوهريين: العقل والمادة، لكلٍ منهما قوانينه الخاصة.

على أن العلم له رأى آخر. لقد تسارعت فى السنوات الأخيرة علوم الدماغ، وصرنا نعلم الكثير عن طبيعة العمليات التى تجرى داخل المخ البشري. العمليات المسئولة عن انتاج الفكر والشعور والإدراك.. ما يُسمى، جُملة، بـ»الوعي». إنها عمليات كيميائية وفيزيائية لها أساس مادى فى التفاعلات بين نحو مائة مليار من الخلايا العصبية. ألغاز الوعى لم تعد «مشروعاً» فلسفياً. العقل والوعى والإدراك صارت كلُها موضوعاً لواحدٍ من أسرع العلوم نمواً فى عصرنا الحالي: علوم المخ والدماغ.

العلم، وفقاً لوجهة النظر هذه، يقضم من الفلسفة مساحاتٍ كل يوم. هو أيضاً يفتح مجالاتٍ غير مسبوقة للتقدم الإنسانى والثروة والرفاهية لملايين البشر. فماذا فعلت الفلسفة؟ أو بالأحرى ماذا تفعل فى هذا الزمان؟ قضاياها معادة. موضوعاتها لا تُغير العالم، بل ربما هى تزيد من تعقيده بلا طائل أو هدف محدد.

هذه الزاوية الصغيرة، التى أشرف بأن أطل منها على القارئ العزيز كل أسبوع، لا ترى هذا الرأى ولا تذهب ذاك المذهب. زماننا هذا يحتاج إلى الفلسفة ربما أكثر من أى وقتٍ مضى. التقدم العلمى والثراء المادى يخلقان من المشكلات والمعضلات بقدر ما يلبيان من حاجات. الفجوات فى الثروة واللامساواة التى يخلفها التقدم الاقتصادى هى موضوع فلسفى بامتياز. العالم الرقمى ووسائل التواصل الاجتماعي، بما يطرحانه من تحديات لعلاقتنا بالمعلومات وبتكوين رؤيتنا «للحقيقة».. هى موضوعات فلسفية بامتياز. الهندسة الوراثية والتقدم الهائل فى العلوم الجينية تطرح موضوعات فلسفية عميقة حول الهوية البشرية. مع وباء «كوفيد» دخل البشر إلى عصرٍ جديد من القلق واللايقين، بما يفتح مجالاً جديداً للفلسفة.

عالمنا أحوج ما يكون إلى «نظرة فلسفية». الفلسفة ظهرت فى وقتٍ محدد من تاريخ البشر، كمنهجٍ وطريقة مغايرة للتفكير والنظر إلى الأمور كلها. عبر القرون الستة التى سبقت ميلاد السيد المسيح، ازدهرت مدارس الفلسفة، شرقاً وغرباً. طرحت على الناس أسئلة غير مسبوقة: ما السبيل الأفضل لخوض رحلة الحياة؟ كيف نعيش معاً كجماعة؟ ما غاية العيش أصلاً؟ هل من معنى لوجودنا هذا؟ ما الغرض من وجود الشر فى الحياة؟ كيف نميز بين ما هو خيرٌ وما هو شر؟ كيف نتأكد أن معرفتنا- بأى شيء- صحيحة؟ هل الأشياء نسبية أم مطلقة؟

إن ذات الأسئلة التى أرقت العقل البشرى منذ 2500 عام لا زالت حاضرةً معنا. لا زلنا، كبشر، نُشارك "أبو الفلسفة اليونانية" «سقراط» صرخته المدوية: «إن حياةً بلا تفكير ناقدٍ، غير جديرة بأن تُعاش». هذه الزاوية تُعنى بتلك المسائل. هى لا تطرح الفلسفة كموضوع متخصص، ولكن كطريقة للتفكير. لا تنغمس فى الماضي، إلا لتُجيب عن أسئلة الحاضر. لا تُقدم إجابات، بقدر ما تطمح إلى إثارة الدهشة.. وهذه أول طريق الفلسفة! 

[email protected]