رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هموم وطن

 

أحن إلى جرس المدرسة فى السابعة من كل صباح، كما أحن أيضاً إلى استيقاظ الأبناء قرب الفجر، وهم يجهزون الحقائب وملابس المدرسة مع سماع صوت قيثارة السماء الشيخ محمد رفعت، والقادم من الراديو العتيق بأحد أركان صالة المنزل، وأنا أطلب من الأبناء سرعة الخروج للمدرسة الملاصقة للمنزل، وأصرخ فيهم الجرس ضرب وانتم لسه فى البيت، كما أحن إلى رائحة الطعمية السخنة وهم يتناولون معى الإفطار فى هذا التوقيت، وليس كما يحدث الآن قبل الظهر بقليل... يالها من لحظات كنا نعيشها ونحن صغار ونعيشها الآن مع أبنائنا ونستمتع بذكرياتنا معها... تبًا لهذا الفيروس اللعين الذى انتزع من قلوبنا فرحة المريلة، التى اختارتها ابنتى قبل بدء العام الدراسى، مع حقيبتها التى تتزين بالقلوب والفراشات الملونة فوق ظهرها، تبًا لهذا الفيروس الذى سلب الفرحة من قلوب صغارنا وهم يشتاقون للقاء زملائهم بعد إجازة دامت ثمانية أشهر منذ مارس الماضى وهى ذكرى انتشار هذا الوباء اللعين.

هل ستطول غربتنا مع هذا الفيروس الذى يبدو أنه انتصر علينا بالقاضية، وجعلنا وأبناءنا رهن الإقامة الجبرية داخل منازلنا، نتحسر على أيام نتمنى أن نراها قبل أن نموت متأثرين بأعراضه القاتلة... هل الأطفال يشعرون بما نشعر به الآن أم أننا حالمون أكثر من اللازم.. هل التلاميذ يحنون إلى رائحة القلم الرصاص مثلنا.. هل يحنون إلى البراية الشقية التى تختفى وتظهر بعد أن نلجأ إلى موس الحلاقة لنبرى به القلم، هل يحنون إلى الفسحة وجلوسنا معًا فى الفناء نتبادل السندوتشات ونتقاسم شرب الماء من زمزمية واحدة غير عابئين بالعدوى ولا الكمامة ولا الكحة التى أصبحت مصدر قلق ورعب وانزعاج.

هل أطفالنا يستشعرون الغربة كما نستشعرها نحن بعد أن أصبحت المدرسة حلمًا صعب المنال وإذا أتت شهرًا تذهب عدة أشهر... لا أنسى طعم سندوتش الفول مع قرن فلفل بارد وبرتقالة وعود عسلية وسط زملائى فى حصة الألعاب، ثم نلهو بعدها فى حديقة المدرسة فى حصة التربية الزراعية التى لم يصبح لها الآن وجود فى مدارسنا، وكنا نتبارى فى إمساك الفاس والعمل بها أمام زميلاتنا اللائى يرقبن تحركاتنا وهن جلوس بين زهور الحديقة.. يالها من أيام حرم منها الأبناء قبل أن يصنعوا لأنفسهم ذكريات يقصونها على أبنائهم كما نفعل نحن الآن.

لم أتصور أن تطول هذه الأيام ونحن وأبناؤنا رهن الاحتجاز الجبرى داخل غرفنا، وفى كل يد أحدنا جهاز لعين يفرقنا أكثر مما تفرقنا، ويزيد من عزلتنا إلى عزلة أكثر وأكثر بحجة أننا فى إجازة من المدرسة والدروس والعمل.

أليس منا رجل رشيد يقوم بالاستيلاء الجبرى على هذه الأجهزة ويضعها أيضاً رهن الإقامة الجبرية، كما حدث معنا، ونعود إلى اللمة العائلية نسمع لبعض ونحدث بعض بعد أن أوشكنا أن ننسى ملامح بعضنا البعض. فعلًا إنها فرصة عظيمة أن تلتقى العائلة على مسلسل اجتماعى، يزيد من روابطنا، وإلى قراءة كتاب دينى أو سياسى أو حتى فكاهى مع كوب شاى وسهراية عائلية، بعيدًا عن الانزواء بهذه الأجهزة اللعينة فى الغرف، التى أصبحت أكثر لعنة بعد أن سكنها الشياطين وأسلاك الروتر وسماعات الأذن التى تبدو بمثابة حقنة البنج التى تذهب بوعى الأبناء على الأسرة فى انتظار الإفاقة التى لم تحن ولم تأت بعد.

نتمنى أن نخرج من هذه المحنة بمنح ربانية، تعيد إلينا ما فقدناه من سنوات التيه والانزواء والانطواء، وأن يرزقنا الله الصحة العافية وأن نذكر هذا الفيروس بأنه كان سببًا فى لم شملنا وزيادة إيماننا ورفعة مصرنا والله على كل شىء قدير.