عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

ثلاثة حوادث جرت في الأيام الماضية القليلة.. كانت كلها أسوأ من بعضها.. وجميعها تعبر بدقة عن انتهاك حرمة القانون والاحتماء بالسلطة.. ولا أخطر من ضياع العدل في المجتمعات.. وما أكثر الحضارات والدول التي انهارت بسبب إهدار العدالة فيها!

شاهدنا سيدة تعتدى على ظابط شرطة في المحكمة بكل صلافة.. وسمعنا رجل يتطاول بجرأة بالشتيمة والالفاظ النابية على الدولة والقانون.. وطفل يسخر ويتنمر بكل قلة الأدب على رجل مرور.. وجميعهم يحتمون بسلطة "ما".. يعنى نحن أمام ثلاث فئات يمثلون المجتمع كله.. امرأة ورجل وطفل.. وبالتالي المشكلة ليست فردية ولا تخص هؤلاء الثلاثة فقط.. ولكنها حالة جماعية!

وكثيرة هي المرات التي خرج علينا فيها أشخاص، المفترض أنهم مسئولون، وهم يتبادلون أقذع الشتائم على شاشات التليفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي بألفاظ تنتهك حرمة البيوت والدين والأخلاق والقيم.. ومع ذلك لم يحاسبهم أحد.. وفي المقابل استطعنا محاسبة وسجن مفكرين بتهمة ازدراء الأديان بتهمة التطاول على علماء ماتوا منذ ألف سنة.. وحبسنا فتيات صغيرات بتهمة خدش الحياء العام لمجرد الرقص على تطبيق الكتروني وليس علناً في الشارع.. وهو تناقض يكشف عن خلل قانوني وعن زيف وخداع في مسألة تطبيق العدالة، فليس من العدالة أن تترك واحد قليل الأدب بدون حساب لمجرد أن لديه حصانة قانونية أو حصانة سياسية، أو حصانة مالية.. وتحاسب شخص لمجرد إنه حاول التفكير في مسألة دينية، أو حبس فتاة مراهقة.. ولابد مواجهة أنفسنا بحقائق غير موجودة في الواقع وندعي وجودها مثل عبارة لا أحد فوق القانون.. فهذا كذب وتدليس.. لأن هناك بالفعل من يحتمي بسلطة " ما " ويركب فوق القانون ويدلدل رجليه!

المشكلة ليست في هذا الطفل.. المشكلة في إهدار المعاني السامية للعدل، وفي انعدام الأمل في إقامة العدل، وفي تسريب اليأس في النفوس لعدم تحقيق العدل بالمجتمع.. العدل ليس مجرد كلمة نرددها بلا معنى.. العدل قيمة وبدونها لا تستقيم الحياة.. ويوم يحدث ذلك لن تنفع السلطة مهما كانت قوتها في فرض القانون!

إن دولة القانون، هي وجه العملة الثاني لدولة المؤسسات.. والدولتان لن تقوم لهما قائمة سوى بالديمقراطية، وبتطبيق العدالة.. ويومها فقط نرفع الغطاء على الذين يحتمون بالسلطة.. والذين يحصلون على حقوق الأخرين بالواسطة، والذين يفرضون نفوذهم بالمحسوبية.. والذين يبيعون الخدمات بالرشوة.. ولا يمكن علاج هذه الصور المسيئة سوى بالشفافية وإقامة العدل وتطبيق القانون على الجميع بدون استثناء!

وقد يتصور البعض أن إقامة العدل سهلا وبسيطاً.. والحقيقة عكس ذلك تماما فإنه بالمقارنة بين أصعب شيء تقوم به الدولة الأن من إعادة بناء البنية الأساسية ومشرعات الإسكان والصناعة والزراعة.. فإن إعادة بناء العدل سيكون أصعب مما نتصور.. لأنه لا يحتاج إلى أموال أو مهندسين وفنين وعمال مثل هذه المشروعات الكبرى.. بل يحتاج إلى نفوس تؤمن بالحق والمساواة، والانصاف، والاستقامة والتواضع.. وهي كلها أمور صعبة جداً على الانسان.. وطبيعته الذاتية والانانية لا تجعله يتقبلها ويمارسها بسهولة حتى لو كان مؤمناً بها.. لأنه من السهل عليه ومن الممتع أن يكون مستبداً، وبغياً، ومتعسفاً، وطاغية، وظالماً.. وما أجمل أن يكون ديكتاتوراً يقهر الاخرين ويسلب حقوقهم.. ولذلك تظل سيادة القانون هي التي تحكم المجتمعات الإنسانية بينما الحياة بدونها فهي غابة كبيرة.. وهذا هو الخطر الحقيقي والتحدي الأكبر.. لأن الاستقواء بالسلطة يؤدي لا محالة إلى اضعاف قوة الدولة!

[email protected]