رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

 

لا ينتهى الكلام عن حرب أكتوبر.. تحدثوا عن الخطط، ودور القيادات، وبسالة الجنود.. والتمويه والخداع والتسليح.. وكل هذا عظيم، وكل هذا أدى فعلا للانتصار الأعظم فى تاريخ الحروب المصرية، ويمكن القول إنه واحد من أهم الانتصارات فى تاريخ معارك جيوش العالم.. ولكن هناك أسبابا أخرى كانت وراء هذا الانتصار، وأعتقد أنها أسباب مصرية خالصة.. لا توجد فى الكثير من الشعوب!

ومن أهم هذه الأسباب كان الرفض الشعبى للهزيمة، وعدم الاستسلام لمرارتها، رغم أنها كانت قاسية والخسائر فادحة فى البشر والمعدات وفى الأرض، وما أعظم قيمة الأرض عند المصرى.. واستطاع الشعب تجاوز ألم الهزيمة، حتى أنه تجاوز الفقد المفاجئ لقائده جمال عبدالناصر، والذى تصور أنه وحده الذى يستطيع أن يقود المعركة.. ولهذا كان الحزن شديدا فى جنازته، ولا مثيل له فى تاريخ البشرية حتى الآن.. ومع ذلك لم يستسلم للحزن، ولم يجلس فى البيوت يولول هلعًا ورعبا لعدم استكمال الحرب التى كانت قد بدأت بالفعل.. وكان الشعب بكل فئاته يخرج فى مظاهرات وفى تجمعات ليس من أجل أن يطالب بزيادة المرتبات أو بتقليل الأسعار أو تحسين الخدمات أو حتى المطالبة بالحريات.. ولكن ليطالب بالمعركة، وبالمعركة فقط، وللإسراع فى اتخاذ قرار الحرب.. وتحول الشعب كله، من طلاب وعمال، وفلاحين وموظفين، إلى بركان ثائر بالغضب على الرئيس الجديد، أنور السادات، ليطالبه بالحرب ولا شيء سوى الحرب.. ولهذا كان الانتصار فى أكتوبر فريدًا!

تحمل.. هذا الشعب راضيًا مرضيًا كل الأزمات التموينية.. كان يقف بالطوابير لشراء الاحتياجات الأساسية.. سكر، زيت، أرز، شاى، سمن.. حتى الكبريت وقماش الكستور كان بالطوابير.. حتى المرتبات كانت لا تزيد عن جنيهات قليلة، ولا أعرف كيف كانت تكفى أسرة من خمسة أو ستة أفراد؟.. وفى المقابل لا أحد غاضب، ولا أحد زعلان، ولا أحد يتذمر.. إلا من شيء واحد فقط وهو عدم صدور قرار الحرب.. الشعب كله كان يريد الحرب، والذين كانوا فيما يسمى بالدفاع الشعبى من الأهالى فى الداخل ربما بنفس عدد المجندين النظاميين الذين على جبة القتال.. ولهذا كان الانتصار فى أكتوبر مبهرًا!

لو قارنا بين تسليح الجيش المصرى فى حرب أكتوبر، وبين تسليح الجيش الإسرائيلى، أقصد الأمريكى، سواء من حيث الأعداد وكفاءة المعدات، ومن حيث القدرة على تعويض الخسائر فورًا، وذلك ما حدث بعد ساعات من حرب أكتوبر، عبر جسر جوى من أمريكا إلى إسرائيل لإمدادها بأحدث الأسلحة المتطورة ومنها أسلحة لم يكن الجيش الأمريكى استخدمها بعد.. فإن المعركة بكل الحسابات لم تكن فى صالحنا.. ولكن الفرق الوحيد فى هذه الحسابات الذى حقق الفارق هو الجندى المصرى.. وعبقريته فى استخدام أقل الأسلحة والمعدات، بأكبر كفاءة ممكنة، وهى قدرات عجيبة ومواهب يتفرد بها كل مصرى فى التعامل الذكى مع الصعاب.. ولهذا كان الانتصار فى أكتوبر مدهشاَ!

عاش الشعب المصرى الحرب بكل تفاصيلها خلال الست سنوات.. من عام 67 إلى عام 73 كان يتنفس رائحة الحرب.. وطعامه بطعم ولون الحرب، يغنى للحرب، ويكتب ويرسم للحرب، فى المسرح والسينما والتليفزيون والأسواق والمدارس والمصانع والمزارع والبيوت وعلى المقاهى وفى الندوات.. لا شيء سوى الكلام عن الحرب، ولا شيء غير الحرب فى النفوس والقلوب والعقول.. ولهذا عندما قامت الحرب كان كل الشعب على الجبهة وكل الشعب يعبر القناة.. وكان انتصار أكتوبر بتوقيع كل الشعب!

[email protected]