رؤى
«عزل وزارة رياض باشا، انشاء مجلس نواب على النسق الأوروبى، زيادة عدد الجيش إلى 18 ألف جندى «طبقًا للفرمان السلطاني». هذه كانت مطالب الأمة التى قرأها الزعيم أحمد عرابى(1841ـــ 1911) فى ساحة عابدين على الخديوى توفيق(1852ـــ 1892)، رد الخديوى يومها يقول:
ــ «كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها، وأنا ورثت ملك هذه البلاد عن آبائى وأجدادى، وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا»
ــ انفعل عرابى وصرخ قائلا: «لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا أو عقارا، فو الله الذى لا إله إلا هو لن نورث ولن نستعبد بعد اليوم».
هذا الحوار جرى قبل 139 سنة، تحديدا بعد ظهر يوم 9 سبتمبر 1881، فى ساعة ميدان عابدين بالقاهرة، امام سراى عابدين، مقر حكم الخديوى، وانتهت الواقعة بموافقة الخديوى على مطالب الامة.
بعض الكتاب المصريين للأسف عن جهل وبوقاحة أنكروا واقعة عابدين بشكل قاطع، واتهموا الزعيم عرابى باختلاقها، وقالوا: إن عرابى لم يذهب إلى عابدين، ولم يركب الحصان، ولم يحمل سيفه، ولم ير الخديوى، وأنه اختلق الواقعة بعد عودته من المنفى لكى يجمل من صورته، وأكد بعضهم، بصيغة العالم والواثق، عدم وجود ذكر لهذه الواقعة فى جميع المصادر المعاصرة آنذاك، ولم يذكرها الشيخ محمد عبده، ولا عبدالله النديم خطيب الثورة، كما أنها لم تذكر فى التحقيقات التى أجريت معهم بعد القبض عليهم، حتى الصحف التى كانت تصدر آنذاك لم تذكر واقعة عابدين، ووصل الحد ببعضهم إلى القول بوقاحة : بأن عرابى باشا لم يشاهد أو يقابل الخديوى توفيق فى حياته»، وأنهى كلامه بالسخرية من عرابى باشا واصفا إياه: بالمسكين.
ومع تقديرنا الكامل لجميع هذه الشخصيات، نؤكد أن كل ما قالوه غير صحيح، ويؤكد أنهم لم يقرؤوا حرفا واحدا مما وصلنا عن تاريخ الثورة العرابية، لأن ما وصلنا على اختلافه ذكر واقعة عابدين بجميع تفاصيلها: الحصان، والسيف، والجيش، والجماهير، والخديوى توفيق، والزعيم عرابى، كما أن الصحف اليومية التى كانت تصدر آنذاك ذكرت الواقعة، مثل: الوطن(السبت 17 سبتمبر 1881)، والوقائع المصرية(الأحد 11 سبتمبر 1881)، والعصر الجديد(الثلاثاء 13 سبتمبر 1881).
والقارئ لهذه الثورة يعلم جيدا أن أول رواية وصلتنا، بعد تغطية الصحف، كانت للزعيم أحمد عرابى رواها مختصرة فى التقرير الذى حكى فيه الأحداث لمحاميه برودلى سنة 1882، وقد ذكرت الواقعة فى صيغة أسئلة ضمن التحقيقات التى أجريت مع عرابى بعد تسليمه نفسه للسلطات، وقد نشر سليم النقاش التحقيقات فى كتابه مصر للمصريين. وللحديث بقية.