رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

 

 

 

كيف يكون الدين منتجًا فى حياة البشر.. وذا عائد اقتصادى مربح، أو بمعنى آخر كيف يحوّل الدين الناس إلى منتجين ينفعون انفسهم وينفعون مجتمعاتهم؟.. ربما هذه فكرة برجماتية أو عملية بحتة فى التعامل مع الدين، أى دين، ولكن فى المجتمعات والدول الفقيرة تختلط الدروشة بالزهد بالرهبنة بالتطرف بالإرهاب فى تعاطى الناس مع الأديان وهى مشكلة معقدة.. أحكم الوعاظ والرهبان والاحبار ربطها حتى استحالت على البشر أنفسهم الذين أنزل الله تعالى الدين لهم سهلًا وبسيطًا وميسرًا لحياتهم.. ولكن!

فى مركز قوص بالصعيد توجد قرية الفخار الشهيرة على مستوى العالم ونجهلها فى مصر وهى «جراجوس»، أو «قراقوص» ويبدو من الاسم إنه مشتق من عبارة «بجوار قوص أو جوار قوص».. وفى هذه القرية تمكن رجل دين «حقيقي» أن يجعلها مصنعًا كبيرا للموهوبين.. لا وكرًا من الإرهابيين؟!

فمنذ نحو 160 عاما، وتحديدا فى 30 سبتمبر عام 1862 أسس الأب «صموئيل دى أكاديا الفرنسيسكانى» من أصل بولندى، كنيسة العائلة المقدسة بقرية جراجوس، باسم القديس يوسف، وبعد وفاته عام 1882 افتتحت الإدارة الرسولية مدرسة لتعليم الصغار، وظلت المدرسة حتى 1895 مفتوحة.. وبعد سنوات وتحديدا فى عام 1940 صارت مدرسة ابتدائية لخدمة أهل القرية، وفى عام 1946 استقر فيها الأب «اسطفان ديمونجلوفييه» والأب «موريس دفنويل»، وكانت القرية مثلها مثل آلاف القرى فى ذلك الحين المهملة والمسيطر عليها ثلاثى المرض والجهل والفقر، فقاما بتأسيس مصنع جراجوس للخزف الذى شيده المعمارى الشهير حسن فتحى على هيئة متحف، لتكون قرية جراجوس هى أول قرية تعيد انتاج الفنون الفرعونية!

وهناك تفاصيل كثيرة فى تاريخ قرية جراجوس، وثقها كتاب « جراجوس – قصة 21 عامًا للآباء اليسوعيين» تأليف الأب والمترجم «وليم سيدهم»، باللغتين العربية والفرنسية، لمن يريد الرجوع إليه ومعرفة تفاصيل كاملة عما جرى فى تحويل حياة أهالى هذه القرية منذ أن كانوا أطفالا حتى صاروا شيوخًا من شأن إلى شأن آخر تمامًا، تطبيقًا لمبدأ واحد وهو «أن الإيمان الحقيقى لا يستقيم إلا إذا اقترن بالعدالة الاجتماعية والثقافية وتحرير الفقراء من كل أنواع العبوديات». وهذا المبدأ كان الفلسفة والمنهج الذى جعل من هذه القرية الفقيرة النائية قرية عالمية!

إن مدن وقرى الصعيد لا تحتاج أكثر من تنميتها بصورة حقيقية وصادقة لا مجرد خطط نظرية على الورق يرددها المسئولون فى زياراتهم الخاطفة ويعودون بسرعة إلى القاهرة.. ولأن الصعيدى أذكى مما يتصورون لا يثق فى كلامهم ولا يصدقه.. بل ومن زمان لخص الصعيدى علاقته بعواصم الشمال بالمثل الشعبى «يا نحلة لا تقرصينى ولا عايز عسل منك».. فهو لا يحتاج من هذه العواصم شيئًا.. حتى لا تحتاج منه شيئا.. لأنه يعلم أن العلاقة بين الصعيد وعواصم الشمال هى عبارة عن مراكب وقطارات تنقل من الصعيد كل خيراته من المواد الخام.. حديد من أسوان وألمونيوم وسكر من نجع حمادى وقوص وأبوقرقاص وأسمنت من أسيوط.. إلخ، بينما المراكب والقطارات القادمة من عواصم الشمال إلى الصعيد مملوءة عن آخرها بالوعود والأمانى!

 

[email protected]