رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

خلت الشوارع من المارة، وبدت كمدن للأشباح كما فى أفلام الرعب الأجنبية، المصالح والوزارات تقلصت بها أعداد الموظفين والمسئولين، وقد تم تقسيم العاملين بنسبة تبدأ من الربع أو النصف، مراعاة لعدم انتشار عدوى كورونا، حظر التجوال، إغلاق المحلات والأندية المطاعم وغيرها، مؤكد الأشهر الأربعة الماضية التى عاشها المواطن المصرى كات أشهر صعبة، خاصة أنها كانت مدججة بالموت والمرض، موت المئات بكورونا وإصابة الآلاف، حبسنا الفيرس فى بيوتنا.

ولكن هل ينكر أحدنا أن هذه الأشهر كما كانت وبالًا على البعض خاصة فى أرزاقهم، إلا أنها كانت رحمة لكثير من الشعب، وكان من مكاسبها أننا ارتحنا من الزحام، ارتحنا من الشجار اليومى الذى يمر به كل مصرى منذ أن يغادر بيته إلى أن يعود إليه، شجار داخل المواصلات العامة، شجار أمام شبابيك خدمات المصالح بسبب التقاعس واللا مسئولية والمحسوبية، شجار داخل أعمالنا، لتفشى الظلم، وهيمنة المسنودين عديمى الخبرة، شجار مع الباعة لمغالاتهم فى الأسعار وغياب الرقابة.. نعم رحمتنا حبستنا من كثير من الشجار والأذى اليومى خارج بيوتنا لموت ضمائر مسئولين، إهمالهم لواجباتهم، لأشياء كثيرة سببها إجمالًا يتلخص فى الفساد.. الفساد العام إلا قليلًا، وأعود لما انتهيت إليه فى مقالى السابق، بما قاله الدكتور منير إبراهيم، عضو الجمعية العالمية للطب النفسى، إن ما يقارب 40% من الشعب المصرى مصابون بالاكتئاب لأسباب اقتصادية ولشعورهم بفقدان الأمل فى المستقبل.

الفساد المتوارث علي مدى العقود السابقة جعل المواطن يجد نفسه منذ أن يفتح عينيه وحتى ينام.. «شايل الهمّ»، هذا إن لم تطارده الكوابيس بنفس الهم أثناء ساعات نومه، همه الأول راتبه البسيط والذى لا يكفى المأكل والملبس ومطالب الحياة، ايجار شقة وكهرباء ومياه وغيرها مما نعرفه هو وزوجته وأولاده، شعوره بضآلة الراتب وبعجزه عن تحسين وضعه المالى، ومقارنته برواتب آخرين معه فى نفس العمل ممن هم أقل منه عطاء وكفاءة ويتقاضون الأضعاف، لا لشىء سوى أنهم «مسنودين» أو متوصى عليهم، أو أولاد فلان بك، أو أقارب فلان باشا.

وللأسف فى القطاع العام، لا يختلف الأمر كثيرًا، إذ تهيمن أيضًا الوساطة والنفاق والمحسوبية، وتلعب الدور الأساسى فى ترقية هذا وتخطى وظلم ذاك، شعور هذا المواطن بالظلم وضياع حقه، سيجعله يفعل أمرين، لا يعطى العمل حقه كما يرضى الله، ثانيًا يفتح «درج» مكتبه للرشوة إن كان فى موقع عمل أو وظيفة تتيح له ذلك، ولا يضيره فى هذا أن يستغفر الله، ويتمسح فى أن «الضرورات تبيح المحظورات»، ولن يمنعه حتى صلواته من هذا.

ويؤكد الطب النفسى أن شعور الإنسان بالظلم، يجعله يميل ولو بصورة غير مباشرة إلى التدمير، تدمير لممتلكات من حوله أو حتى ممتلكات الدولة، ورغبته فى تشريد أبناء مجتمعه وقهرهم، لأن الفساد الذى يعانى من أوزاره على مدى عقود جعلته فاقدًا للأمل فى الخلاص من الظلم واستلاب حقوقه، وقد يجنح إلى العنف مدفوعًا بقناعاته الشخصية بأنه يدافع عن نفسه ليجد له مكانًا فى مجتمع يظلمه.

الفساد عمق لدى المواطنين الشعور بالظلم، وأدى إلى تفشى الأمراض النفسية وفى مقدمتها الاكتئاب الذى يجعل الإنسان منعزلًا عمن حوله ولو داخليًا، وينظر للحياة بتشائم، مع شعوره بأنه وحيد فى عالم ملىء بالعبثية واللا معقول، عالم فقد المنطق فى الحق والعدالة الاجتماعية، شعور الإنسان بهذه العبثية يجعله يلتزم مبدأ «انماليزم» أى وأنا مالى هو أنا اللى هاغير الكون، ونعلم أن تلك الجملة تتردد على ألسنتنا كشيوخ، وانتقلت إلى أبنائنا، لانتقال فقدان الأمل إليهم فى الإصلاح، ولأنهم ورثوا تداعيات الفساد، وتجرعوا مراراته، فقدان الأمل فى التغيير للأفضل، يقتل لدى الأفراد الشعور بالمسئولية تجاه نفسه ومجتمعه ووطنه، ويجعله لا يبالى ولو عم الدمار، لأنه فقد الانتماء لكل شيء، ليس الفقر.. ولا البطالة.. السبب فى غياب الانتماء للوطن.. بل تعمق الظلم وغياب العدالة الاجتماعية وهيمنة الفساد بكل أشكاله هى السبب.. وللحديث بقية..

[email protected]