رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

«بفكر أستقيل وأشوفلى أى حتة تانية أشتغل فيها ولا حتى أعمل لى عربية فول أبيع عليها أفضل من اللى أنا فيه» قالها جارى الذى يقترب من العقد الخامس وهو يحكى لى فى زيارة عائلية أمام زوجته وأولاده فى سن المراهقة، أنه بعد ما يقرب من 23 سنة عمل وعطاء وكفاح فى الشركة الخاصة التى يعمل بها، فوجئ بتعيين شاب مديرًا عليه، شاب غر عديم الخبرة، ليس له تقريبا أى علاقة بجوهر العمل الذى يدور حول تصميم الإعلانات والتعاقد مع الشركات والمؤسسات فى ذات الإطار، وعندما ضاق جارى ذرعا بالشاب المتسلط والذى يحاول اثبات «أنه المدير صاحب الكلمة العليا » تصاعدت الخلافات والصدامات، حتى همس زملاؤه بأن المدير الشاب ابن أخت رئيس مجلس الإدارة، وعليه الاحتراز لأنه بصدامه الدائم «بيلعب فى عداده الوظيفى».. شعور بخيبة الأمل وضياع سنوات الخدمة والعمل سيطر عليه، وأصبح يفكر جديًا فى ترك الشركة واللجوء لأى عمل حر ولو يبيع ساندويتشات وهو صاحب الخبرة الطويلة فى عمله.

نموذج بسيط طرحته عن مؤسسة خاصة، يتكرر.. يتطابق بصورة ممنهجة على مدى عقود فى معظم– إن لم أقل كل- المؤسسات والمصالح.. العام منها والخاص، الوساطة.. المحسوبية والتى تجعل أشخاصا لا يمتون للكفاءة ولا الخبرة.. رؤساء ومدراء يقفزون على رؤوس أصحاب الخبرة والعمل الجاد، وسأشير إلى نموذج «ماسبيرو» فى زمن ما قبل الثورتين، كان مسئولون به يعينون أولادهم وهم لا يزالون فى المدرسة الثانوية، ويسجلونهم زورا بأنهم حاصلون على الشهادات الجامعية، حتى يجدوا أماكنهم بعد الجامعة محجوزة وبرواتب تراكمية، دون أن يسألهم أو يحاسبهم أحد، وكانت هيمنة حفنة من العائلات على ماسبيرو أمرًا متعارفًا عليه وعرفًا مقبولًا، بما يحتويه من أجور خيالية وحوافز وبدلات سرية، وهو من أحد أسباب الخسائر المهولة التى تكبدتها الدولة فى هذا القطاع وأموال أهدرت داخل المبنى العريق.

وقس على هذا فى أماكن لا تعد ولا تحصى فى مصر، إنه الفساد يا سادة، فمن أمن العقاب أساء الأدب، وغياب الرقابة القانونية مع انعدام الضمير، جعلتنا نسير إلى منحدر خطير، أدى لهيمنة أصحاب النفوذ بأسرهم وعائلاتهم على الحياة، ولجوء أصحاب المعالى إلى تنفيذ سياسة زواج السلطة مع المال، كل هذا ورثناه على مدى عقود مضت، إرث أفقدنا الأمل والطموح فى الغد أو حتى فى إمكانية التغيير للأفضل، إرث دمر نفسية أغلب الشعب المصرى ممن ليس لهم يد طولى فى سلطة ولا نفوذ ولا مال، لإدراكهم أنهم خارج هذه المنظومة، وأنهم سيقضون كل أعمارهم يلهثون تحت سياط لقمة العيش بالكاد، فيما آخرون قلة منعمون حتى بما ليس من حقهم، هم وأولادهم من بعدهم وأحفاد أحفادهم، كل هذا جعل أغلب الشعب يفقد الأمل..الطموح، الأمل حتى فى تحسين وضعية أبنائه فى المستقبل ليكونوا أفضل منه، لأن المناصب والمراكز، والسلطة والنفوذ « محجوزة » مسبقا لأبناء الأكابر، ويجب الاعتراف أن هذا لم ينتهِ تماما بل لا يزال موجودا، وعلى الرئيس الفيسبوكى للشعب الافتراضى صاحب الحلول السحرية أن يفتينا كيف يمكن حلحلة تلك المعضلة، والقضاء عليها وإيقافها، وأن يكون هذا ضمن مهامه مع مهام أخرى جسام، كحماية الدولة من أعدائها ومن المؤامرات ضدها فى إثيوبيا وليبيا وحدودنا فى سيناء وغيرها، وأن يبنى فى نفس الوقت مساكن لسكان العشوائيات، ويحقق الطفرة فى شبكة الطرق، وينمى الاقتصاد والإنتاج، وأن يطور التعليم والصحة وكل القطاعات الأخرى المنهارة منذ عقود..!.

الكارثة يا سادة هو اعتقادنا أن شخصًا واحدًا مطالبًا بكل هذه المهام، فيما المفترض أنهم مسئولون متخاذلون عن أدوارهم وواجباتهم، والشعب موزع بين جزء يطبل ويهلل ولا يعمل، وجزء ينتقد هدمًا ويثير البلبلة والشائعات، وجزء يطرقع أصابعه أمام شاشات الكمبيوتر ويفتى بحلول ما أنزل الله بها من سلطان لا تتواءم مع واقعنا البشع الملىء بالفساد المتجذر واللا انتماء، فليس غريبا أن يقول لنا الدكتور منير إبراهيم، عضو الجمعية العالمية للطب النفسى، إن ما يقارب 40% من الشعب المصرى مصابون بالاكتئاب لأسباب اقتصادية ولشعورهم بفقدان الأمل..

وللحديث بقية

[email protected]