رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

رغم يقينى أن الموت، هذا الزائر الموحش الغادر، سيأتى دون استئذان لأدفع له آخر ضرائب الحياة ويغلق ملفى إلى الأبد إلى جانب مليارات ملفات من سبقوا، إلا أننى تساءلت كما تساءل من قبل المبدع الجميل دكتور يوسف إدريس «ما دامت الحياة آخرتها الموت، وما دام لها نهاية محتمة فلماذا البداية أصلاً».

تلفت حولى وكأنى سمعت وقع أقدام تتسلل خلسة، فاستجمعت ما تبقى من شجاعة مزعومة، وصحت مذعورًا «لو كنت عزرائيل لا يهمنى قدومك، لقد سبقك كائن فيروسى كورونى لا يرى ولا يحس ولا يشم وفاز بغنائم الموت، ماذا بقى لك لكى تفعل».. ضحك ملك الموت وقال لى: أيها الإنسى العبيط، أولا لماذا تسموننى عزرائيل وليس فى كتبكم المقدسة أى أساس لهذا الاسم الذى أطلقتموه علىّ؟.. سألته كيف؟ قال لى: لم يذكر الإسلام اسمًا لملك الموت، ويقول الله سبحانه وتعالى «قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِى وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ»، وذلك فى سُورة السّجدة آية 11، فهو يعرف بملك الموت فى إسلامكم، لكن «عزرائيل» هذا الذى تنادوننى به اسم عبرى ومعناه «الذى يعينه الله» أو «عبدالله» الذى وكله بقبض الأرواح وهو آخر مخلوق يموت.

وشعرت كأن وداً أخذ يقربنى من هذا الزائر الذى إن خلف كل الزوار وعد قدومهم لن يخلف هو موعده أبداً وسيأتى يوما ما.. المهم سألته بتخابث من يضمر بنفسه قلقا ويخبئ تحت جلده جيوشا من الأسئلة المتمردة على ما اعتاد عليه المستسلمون لمقاديرهم تحت وطأة قلة الحيلة وليس كثرة الإيمان: هل أصبحت عاطلا عن العمل فى زمن يتولى فيه «عزرائيل» الأمريكى قبض روح الآلاف بصاروخ أو قنبلة ارتجاجية؟ أجابنى المدعو عزرائيل: انتبه يا ولد.. أنتم فى مصر لستم أحياء لأنكم تحبون البقاء، ولكن أنتم تتمسكون بالبقاء لأنكم فقط مجرد أحياء.. سألته مزيدًا من التوضيح.. قال لى: لو كنتم عاشقين للحياة كحياة كنتم ناضلتم من أجل قيم الحب والحرية والعدالة واحترمتم قوانين العلم وعظمة الفنون.. أنتم تتمسكون بالبقاء لأنكم مجرد أحياء تتحركون، أما جدودكم الأوائل من الفراعنة المؤسسين للحياة على الأرض فبنوا ما بنوا من معابد ومقابر ليس تقديسا للموت ولكن عشقا للحياة التى رفضوا فكرة أنها تنتهى بالموت، ولم تكن مقابرهم إلا «ترانزيت» بين رحلة قصيرة ورحلة ثانية لحياة أبدية وليس موتاً أبدياً.

شعرت بحركة قلقة وبدأت أفكر فى سؤال ربما يكون الأخير لملك الموت الذى أصبح تقريبا فى زماننا مثل ملك اليابان أو ملكة بريطانيا له سلطة رمزية لمن يملك ولا يحكم وترك مهمة الحكم للجبارين فى الأرض الذين يحتكرون أسلحة الموت والدمار وأبشعها أسلحة التجويع والحصار، قلت له يا مبعوث العرش شكرًا لرأيك فى أجدادنا الفراعنة، لكن أنا متردد أن أسألك الرأى فى صرخة أستاذى فى الأدب والقلق الدكتور لويس عوض الذى عبر عن غضبه فى مسرحيته العظيمة «الراهب» من مولد المسيح فى بنى إسرائيل حين صاح زاعقا على لسان أبانوفر الراهب: يا إلهى لماذا نزلت فى بنى إسرائيل ولم تنزل فى هذا الوادى المقدس.. محال أن يكون المسيح يهوديا.. الله نزل فى مصر.. الله نزل فى مصر.. ضحك ملك الموت ضحكة فيها ما فيها من السخرية والاستخفاف، ولا أنكر أننى ما زلت أهابه حتى بعد أن بلغ من الكبر عتيا وترك مهامه لغيره من طغاة الأرض.. وقال بهدوء وحكمة من قبض أرواح آلاف الحكماء: أيها القلق المسكون بالشك والسؤال أنت وأستاذك لويس عوض هل تريد بعد عشرين قرنا من ميلاد المسيح بعثه من جديد فى شخص هذا الراهب البهلوان (أبانوفر).. تحلمون –فقط تحلمون– بمسيح جديد يبشر بالعدل والرحمة والحرية ثم فى النهاية يخطئ كما البشر ويكفر عن خطيئته بالموت.. كفاكم عبطا ودروشة ووهما.. واختفت الأنفاس وتلاشت الحركة ولم أعثر له على أثر ولكنى وكأنى أسمع بقايا صرخات أوزوريس آتية من فضاء زمن بعيد: الأبطال لا ينتظرون حتى يشيخوا وتتولى الشيخوخة والموت وضع النهاية لهم.. من يخشون الموت يعجزون عن صنع أى حياة.. اخرجوا من مقابركم.. لماذا يرعبكم الموت.. الموت لا يهدد الأموات.. وصحوت بعد غفوة حدث معها ما حدث، ولا أدرى هل كانت لحظة أم عمراً تبدى لى كعابر سبيل.