رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

 

 

الأمانة هى التكاليف الشرعية كلها وكل ما أؤتمن عليه الإنسان من شىء يحفظه لمن ائتمنه عليه حتى يرده. ولقد عرض الله الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وخفن من تبعتها، وعرضها الله على الإنسان آدم فحملها بتبعتها من ثواب وعقاب لأنه كان ظلوما لنفسه يوردها موارد السوء جهولا بعواقب الأمور.

ولقد أعطى الله سبحانه وتعالى للإنسان حرية الاختيار، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر؛ فلا إكراه فى الدين إنما اختيار، وهذا هو الاختيار الحقيقى، ومن هذا المنطلق فإن علاقة الإنسان بربه هى علاقة فردية لا إكراه فيها ولا قهر فيها، فكل إنسان ألزمه الله طائره فى عنقه وكلهم آتيه يوم القيامة فردا.

وهناك أدلة كثيرة فى هذا الشأن منها دعوة سيدنا نوح عليه السلام لابنه أن يركب معه السفينة فأبى؛ وآوى إلى جبل ظنا منه أنه سوف يعصمه من أمر الله، ولكن الموج حال بينهما وكان من المغرقين، ولم يشأ سيدنا نوح أن يقهره أو يكرهه ولو شاء الله لآمن من فى الأرض كلهم جميعا، ولكن إرادة الله أن يعبده الإنسان اختيارًا بإرادته الحرة.

ومن هذا المنطلق لا يمكن لجماعة أن تعتقد على أنها على الحق وما دونها على الباطل وتخرج ما دونها من الملة وتكفره وتحل قتاله وقتله؛ فذلك خروج على مراد الله فى الأرض الذى شاء أن يعبده الإنسان اختيارا بدون إكراه أو قهر وما على الرسول إلا البلاغ.

هذا فى اختيار العقيدة، أما النظرة إلى الوطن فإن المواطنة هى الأصل فى التعامل بين المواطن وأخيه داخل الوطن الواحد فهى علاقة أفقية فى ظل دولة توافقية تحدد الحقوق والواجبات لكل فرد، ولنا فى رسول الله أسوة حسنة، فلقد خرج مهاجرا من مكة إلى المدينة وهو ينظر إلى وطنه الحبيب مكة قائلا: والله إنك لأحب أرض الله إلى الله ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت.

وعندما ذهب إلى المدينة كانت فيها عقائد شتى، فوضع دستور المدينة أو صحيفة المدينة وهو أول دستور مدنى فى تاريخ البشرية تمت كتابته فور الهجرة، وقد أطنب فيه المؤرخون والمستشرقون على مدار التاريخ الإسلامى، واعتبره أغلبهم مفخرة من مفاخر الحضارة الإسلامية ومعلما من معالم مجدها السياسى والإنسانى.

ويهدف دستور المدينة إلى تحسين العلاقات بين مختلف الطوائف والجماعات فى المدينة وعلى رأسها المهاجرون والأنصار والفصائل اليهودية وغيرها حتى يتمكن بمقتضاه المسلمون واليهود، وجميع الفصائل من التصدي لأي عدوان خارجى علي المدينة وبإبرام هذا الدستور وإقرار جميع الفصائل بما فيه صارت المدينة المنورة دولة وفاقية وصارت جميع الحقوق الإنسانية مكفولة للجميع كحق حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر والمساواة والعدل، وهكذا الوطن علاقته أفقية بين أفراده تحمى كل من يستظل بظله مهما كانت عقائده ودور الدولة أن تؤمن للإنسان حريته الكاملة فى اعتقاده وأن يشترك الجميع فى الدفاع عن الوطن والذود عن حماه، فهو أمانة تم التوافق عليها من الجميع فى ظل الدولة التوافقية.

وهذا المنطلق فى الاختيار وفى حمل الأمانة هو الذى جعل قائدا وطنيا وهو الشهيد «المنسى» أن يختار الاختيار الصحيح فى العقيدة وأن يتحمل الأمانة فى الدفاع عن وطنه والاستشهاد من أجل حماية هذا الوطن، وفى الجانب الآخر هو الذى جعل «العشماوى» أن ينضم إلى فئة ترى أنها الصواب وتكفر ما عداها، وتعتبره خارج الملة، وتحل قتاله وقتله، وتنظر هذه الفئة إلى الوطن على أنه حفنة تراب عفن، ويصفون حدود الأوطان بأنها حدود الوهم ويتهكمون من الاستشهاد فى سبيله.

فالأول وهو الشهيد «المنسى» هو الاختيار الصحيح والثانى هو «العشماوى» وهو الاختيار الخاطئ، فالاختيار إما أن ينجو بالإنسان وإما أن يورده موارد السوء ظلما لنفسه وجهلا بعواقب الأمور.

وهكذا علينا أن نعلم معشر الشباب أن العقيدة اختيار حر من الإنسان، وهذه مشيئة الله تعالى أن نعبده كما يريد من غير إكراه أو قهر، والدفاع عن الوطن أمانة وفقا للتوافق الوطنى الذى يجعل كل من يستظل بظل الوطن يدافع عنه حتى الشهادة ولا يقاتل أبناء وطنه ولا يخون وطنه، فتلك أمانة يجب الحفاظ عليها.

هذه هى الأمانة التى عرضها الله سبحانه وتعالى على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وخفن من تبعتها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا، وهذا هو الاختيار الحر للعقيدة لا إكراه فيه ولا قهر.

هكذا الاختيار.