رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

انقسم الرأى العام حول التوديع الرسمى للرئيس مبارك، فى جنازة عسكرية مهيبة. وحفلت وسائل التواصل الاجتماعى بهجوم ضارٍ على شخصه، وآخر عن تقييمات انتقائية لفترة حكمه، لم تجد نقيصة إلا وألصقتها بنظامه. بينما بدت التعليقات التى سعت لتلمسِ بعض انصاف لعهده، خجولة وتتخفى وراء كلمة فضفاضة، تنطوى على الشىء ونقيضه، تقول، له ماله وعليه ماعليه.

رحل مبارك عن الدنيا بعد تسع سنوات من مغادرته السلطة. حاول احتواء غضب المتظاهرين فى يناير بوعده فى خطاب رسمى بعدم الترشح لفترة رئاسية جديدة، ونفيه لفكرة تورييث الحكم، الذى لعب عدم نفيه أو تأكيده لها بشكل رسمى فى السنوات الأخيرة من حكمه، دورًا فى ترسيخها. لكن القرار كان قد تغير فى الميدان، من مجرد المطالبة برحيل وزير الداخلية، إلى المطالبة برحيل النظام، بعدما التحق قادة جماعة الإخوان بالمظاهرات، بعد أيام من بدئها، وباتوا يسيطرون على توجهاتها ويحددون أهدافها. ودشن الإخوان موقعهم القيادى فى الميدان بجلب الشيخ القرضاوى من الدوحة إلى القاهرة ليؤم المتظاهرين فى صلاة الجمعة، ثم يلقى خطابًا ناريًا منددًا بالاستبداد، وقادة الجماعة يلتفون حوله على منصة فى الميدان، ويمنعون أى فرد من الشباب المتزعمين للتظاهر من الصعود إلى المنصة، لتثبيت الصورة للعالم أجمع، أن من يتحكم فى تلك الجموع ويقودها، هم جماعة الإخوان وليس أحدًا سواها.

وربما فى تلك اللحظة تبين الرئيس مبارك الخطأ الذى أوقع فيه نفسه ونظام حكمه ومعه البلاد، حين تغاضى عن سجل حافل من المراوغة ونقض العهود والإرهاب يصم تاريخ الإخوان، فسمح لهم بالفوز بالرشاوى الانتخابية، بكتلة نيابية تضم 88 نائبًا فى برلمان 2005، وهو ما سهل لهم التغول داخل مؤسسات الدولة، فحلوا محل الدولة فى تقديم الخدمات الاجتماعية للمواطنين فى المجالات الخدمية الأساسية، التى توقفت الدولة عن الاهتمام بها.

حدث ذلك فى نفس الوقت الذى تصدى فيه النظام للأحزاب المدنية وحاصر أنشطتها وأسقط نوابها فى معظم المعارك الانتخابية!

لم يكن لدى المجلس العسكرى- فى الأغلب الأعم- أية نية لحبس مبارك، فضلًا عن تقديمه للمحاكمة، حتى ظهر محمد حسنين هيكل فى حوار على قناة الجزيرة فألقى قنبلة حارقة فى وجه المجلس العسكرى الحاكم، حين قال إن ثورة مضادة تحاك ضد ثورة يناير من منتجع شرم الشيخ، الذى ذهب إليه مبارك بعد تنازله عن السلطة وحتى لا يتلقف المتظاهرون هذا التحريض، اتخذ المجلس العسكرى قرارًا بإيداع مبارك السجن ومن ثم محاكمته. وفى جلسات المحاكمة أقسم قادة الجيش والقوى الأمنية، أنهم لم يتلقوا أوامر من مبارك بإطلاق الرصاص على المتظاهرين. وفى شهادات مجموعة الشباب المنشقة عن جماعة الإخوان اعتراف بأن من كان يطلق النار على المتظاهرين هم جماعة الإخوان. كما تم اتهام قاضٍ من الجماعة بتعذيب شرطى بشراسة وتم حبسه بعد محاكمته .

تولى مبارك السلطة فى فترة عصيبة، فلملم أشلاء الدولة التى بعثرتها قوى الإرهاب الدينى. وأعاد الحياة لبنية تحتية مهترئة، واستطاع بالحذر والهدوء الذى طبع شخصيته كطيار أن يعمل على إحداث التوازن بين احتكامات السياسة وضروراتها. فتمكن من إعادة الدفء إلى علاقات مصر العربية المقطوعة. وشكل فى تجربة فريدة وفدًا من كفاءات مصرية حزبية ومستقلة، معارضة ومؤيدة للتفاوض الدولى مع إسرائيل لاستعادة طابا إلى مصر. ولأنه ابن لثورة يوليو، وأحد أفراد جيشها الوطنى، فلم يشأ حين طالبه المتظاهرون بالرحيل، أن يدخل البلاد فى تجربة دامية، تقسم الجيش بين مؤيد ومعارض، فتخلى عن السلطة بهدوء، وذهب بنفس الهدوء والثقة فى النفس وفى عدل القضاء إلى ساحات المحاكمة، ورحل وهو على أرض مصر التى رفض أن يغادرها وهو خارج السلطة، حرصا كما قال فى خطابه الأخيرعلى شرفه العسكرى، وثقة أن مصر لن تنسى من عملوا من أجلها.

ويظل التقييم النهائى لعهد مبارك بأخطائه وإنجازاته متروكًا لتاريخ فهو وحده القادر على أن ينصف الموتى من الأحياء.