رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

وفقا لما نشرته الصحف، انتهت أمس الجمعة عمليات التجهيز لنقل الكباش الأربعة من معبد الكرنك بالأقصر إلى ميدان التحرير، تنفيذا للخطة التى وضعها مجلس الوزراء مع الجهات المختصة، لوضعها بجانب المسلة التى يتم جلبها من «صان الحجر، من الشرقية، لتطوير الميدان وتجميله وجعله مزارا سياحيا دوليا، كما تأمل تلك الخطة وتسعى». ومن الواضح أن مجلس الوزراء قرر أن يمضى قدما فى تنفذ تلك الخطة، دون الحرص الكافى على تقديم ردود حاسمة، حول اعتراضات أثريين وعلماء آثار وباحثين فى علوم الآثار، بشأن المخاطر المؤكدة التى سوف تنتج عن نقل تلك الآثار من موطنها الأصلى إلى بيئة جديدة مغايرة.

قد يقول قائل فى مجلس الوزراء والجهات المعنية بالتخطيط والتنفيذ: أمال أحنا إيه بقالين؟ ما احنا كمان أثريين. ماشى يا عم بس متشخطش، لأن المبررات التى ساقتها تلك الجهات لم تجب عن مخاوف حقيقية تطمئن المعارضين لنقل الكباش وحتى المسلة، وتمنح الرأى العام الثقة، بأن القضية أبعد عن أن تكون تنافسا بين جهات واختصاصات على صلاحيات وتضارب فى المصالح، بل هى حرص حقيقى من معظم الأطراف على الحفاظ على المصالح العامة. وفى هذا السياق سبق أن اعترض الدكتور زاهى حواس، حين كان وزيرا للآثار على هذا النقل، وهو ما يتناقض مع ما ينسب إليه الآن من موافقة عليه!

المعارضون لنقل الكباش والمسلة من أثريين وباحثين فى علم الآثار واساتذته فى الجامعات المصرية، يقولون إنه مخالف للأعراف الدولية ولوثيقة التراث العالمى لليونسكو الصادرة عام 1974، التى وقعت مصر عليها، وهى تستند للبند السابع من ميثاق البندقية، الذى ينطوى على أسس تنظم الحفاظ على المواقع والمبانى الآثرية. هذا فضلا عن أن الكباش تماثيل مصنوعة من الحجر الرملى بما يعرضها للتأثيرات السلبية الناجمة عن عوادم السيارات والعوامل البيئية الحافلة بالرطوبة والأتربة وهى تختلف عن مناخ بيئة  الأقصر الجافة حيث موطنها الأصلى.

ردود السلطات التنفيذية تجاهلت تلك الاعتراضات، وحرصت على سرد جوانب قد تبدو أقل أهمية، بينها أن الكباش المنقولة ليست من بين الأربعين كبشا الموجودة على الطريق الذى يصل معبد الأقصر بمعبد الكرنك ويبلغ طوله خمسين مترا، بواقع عشرين كبشا على كل جانب. وبينها كذلك أن الكباش الأربعة المقرر نقلها كانت موجودة خلف التل الأثرى الذى تم استخدامه لبناء الصرح الأصلى، وأنها كانت غير مرئية ومخفية تحت الأتربة، وخلف مبانى الطوب اللبن.

وحتى لو كان ذلك كذلك كما تبرر السلطة التفيذية النقل، فهذا يعد كشفا لكباش جديدة، ويسرى عليها التخوفات التى يسوقها الأثريون من الخطر عليها من عوامل تغيير البيئة والمناخ، ولا يقدم إجابة عن عوامل التعرية التى تدمر الأثر وتخفى معالمه.

عند زيارتى لمتحف الأرميتاج فى مدينة ليننجراد فى العهد السوفيتى، قبل أن تعود المدينة لاسمها القيصرى سان بطرسبرج، شرح لنا مدير المتحف الذى يعد من أكبر متاحف العالم، كيف قامت روسيا السوفيتية بترميم المتحف الذى بنى فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر، لكى يعود إلى أصله فى عهد القياصرة، بعد التدمير الذى ألحقه به النازيون والسطو على لوحاته، بشراء نسخ من اللوحات والتماثيل التاريخية ووضعها فى المكان الأصلى لها داخل المتحف. وفى معظم متاحف العواصم الأوروبية الكبرى توضع نسخ غير أصلية من التماثيل واللوحات العالمية. فهل يجز الأثريون المصريون عن نحت نسخ لتلك الكباش ووضعها فى الميدان بدلا من الإصرار غير المفهوم على نقلها؟ وإذا ما كانت الكباش كما تقولون فلماذا لا تنقل إلى المتحف الكبير المجهز بأساليب لحفظ الآثار وصيانتها؟

إن التعامل مع القضايا التى باتت شأنا عاما بمنطق فرض الأمر الواقع ليس حلا، بل هو وصفة سهلة لفقدان الثقة بين السلطات التنفيذية وبين مواطنيها!