رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

 

«فاقد الشىء لا يعطيه» حكمة بديهية، الجاهل لن يقدم علماً، عديم الخلق، لن يكون قدوة للأخلاق أو مربياً لأبناء يتمتعون بالأخلاق، وهكذا الإنسان التعس لا يمكن أن يكون مصدراً للسعادة أو يبعث الفرحة حوله، بل مهما حاول بذل العطاء بما يناقض دواخله، ستكون تعاسته هى الغالبة، التشاؤم لغته، واليأس ونشر الإحباط منهجه، ومن هنا سعى الإنسان لإسعاد نفسه، وجهوده لتحقيق ذاته ونجاحه، ستجعله معطاءً وسنداً لذوات الآخرين بكل قوة وحب واقتدار، وهذا ينطبق تماماً على الأزواج عندما يصبحون آباء وأمهات، إذا كان كل منهما سعيداً، ناجحاً، محققاً لذاته، سينجح فى إسعاد شريكه، وإسعاد أولاده، ومساعدتهم بكل قوة فى النجاح وتحقيق المستقبل، أما إذا اتخذا منهج التضحية التامة والتفانى، وإنكار الذات إلى حد الذوبان والتلاشى، فهذا له مردود سلبى أكثر من إيجابيته، لأن تضحيته الدائمة ستجعله إنساناً مستنفذاً، غير متجدد الطاقة حتى تأتى لحظة يتوقف فيها تماماً عن العطاء، ويصبح كالبئر الخاوية الذى تم استنزاف كل الماء منها، فأصبحت جوفاء سوداء خربة، لا تعطى سوى صدى كريه وسيملؤه التراب حتى يدفن ويصبح فى طى النسيان.

وأثبت مجمل دراسات علم النفس والمجتمع، أن توازن الحياة لا يتم إلا بالأخذ والعطاء، والإنسان لا يصبح سوياً إلا إذا أحب نفسه وقدرها حق قدرها قبل حبه للآخرين، كل هذا يؤكد أن منهج كثير من الآباء والأمهات خاصة فى جيلنا، قد تفانى أكثر من اللازم، وأعطى كل ما لديه لأولاده، ولم يستبق لنفسه شيئاً، ولا حتى بعضا أو فسحة من الوقت ليتنفس أنسام الحياة، ويجدد طاقته، ويشحن مشاعره، فلا يموت قلبه، ويصبح كالإنسان الآلى يدور ويلف بلا توقف حتى يتعطل تماماً فى لحظة لا يمكنه فيها الرجوع إلى الوراء، أو إصلاح حتى نفسه. نعم جيلنا، وجيل آخر بعدنا، عندما اقتربت بهم الحياة إلى سن المعاش، نظروا إلى أنفسهم، فلم يجدوها، وقد ضاعت وتفانت فى أولادهم، كثيرون منا عطلوا أحلامهم ليحققوا أحلام أولادهم، حرموا أنفسهم من أشياء كثيرة ليوفروها لأولادهم، والآن يحصدون التعاسة الشخصية بعد أن نجح الأولاد وكبروا واستقلوا وجرفتهم طموحاتهم بعيداً عن حياتنا وشغلتهم أمورهم عن الاهتمام بنا، وسنعذر أولادنا، لصعوبة الحياة ومتاعبها ومتطلبات الرزق و.. و.. ولكن أين نحن منهم الآن، أين مردود ما قدمناه وضحينا به لأجلهم، أين مقابل سنوات الشباب التى بذلناها، وتعب السنين الذى وهبناه لهم.

عندما نجد أنفسنا بمفردنا وجهاً لوجه مع الشريك الآخر، وبأيدينا محصلة صعبة هى تعب السنين، وأمراض الشيخوخة، والوحدة وانصراف الأبناء أو جحود ونكران كثيرين منهم، لا يجد كل طرف إلا شريكه لينفث فيه غضب السنين، وحصاد الأحلام المكسورة، والشباب الهارب، ويعتقد كل طرف أن العوض فى الفرار بنفسه بعيداً، والبحث عن شريك آخر جديد قد يجدد فيه الحياة، ولا يدرك إلا بعد فوات الأوان، أنه يعاقب شريك عمره على ذنب لم يقترفه، فالشباب لا يعود، وعجلة الحياة لا تعود للوراء، وسيزداد حصاده ندماً أكبر.

لذا أيها الآباء والأمهات توازنوا، حققوا أحلامكم قبل أن تفكروا أصلاً فى الإنجاب، وحين ترزقون بالأبناء، حققوا تلك المعادلة الخطيرة، بين أن تسعدوا أنفسكم وتسعدوا أولادكم، أن تعيشوا، ويعيش أيضاً أولادكم، أن تقولوا لهم أحياناً «مفيش» ليتعلموا أن الحياة ليست فقط أخذا، وأن الدنيا ليست على حال واحد، وأن العطاء يقل ويكثر، وكذلك المال، اعطوا ولكن لا تفرغوا كل شىء لأجل الآخرين، التوازن.. الوسطية هى جوهر الحياة لتستقيم.. لا تعيشوا أبداً على الهامش لأجل أى إنسان حتى لو كان الإنسان جزءاً منك، ابنك، إنها ليست دعوة للأنانية بل دعوة للتوازن.. للحياة.. ضحوا ولكن لا تقتلوا أنفسكم تضحية، إن لنفسك عليك حقا.

[email protected]