رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

على مدار الأيام الثلاثة الماضية، عادت قضية سد النهضة إلى الواجهة من جديد سواء من خلال تناول الرئيس السيسي لها في مؤتمر الشباب، أو تصريحات وزير الخارجية سامح شكري خلال لقائه مع وزيرة خارجية كينيا، أو المحادثات بين أطراف الموضوع والتي عقدت في القاهرة خلال اليومين الماضيين. الشاهد أن هناك ما يمكن وصفه بحالة مصرية من التوافق تعبر عن قدر من اليقين بشأن مآلات الأزمة،  وفي الوقت ذاته حالة من القلق في الموقف المصري ربما يتم التعبير عنه بهذا الشكل للمرة الاولى منذ أن ظهرت أزمة سد النهضة على أرض الواقع.

لا نريد القول إن المواقف الأخيرة تعبر عن حقيقة أن صبر مصر قد نفد بعد كل هذه السنوات الطويلة في الجرى وراء سبل حل الأزمة عن طريق الحوار، ولكنها تعبر عن حالة من التبرم من الموقف الإثيوبي. الجديد في الموقف المصري، من خلال قراءة التطورات الأخيرة هو قبول القاهرة لحقيقة أن هناك ضررا سيلحق بها من جراء سد النهضة وأنها تقبل هذا الضرر، ولكن في حدود. وهو ما يأتي على خلاف القاعدة التي جرت على أساسها المفاوضات منذ بدئها من أن السد يجب أن يقام على أساس أنه «لا ضرر ولا ضرار».

بعيدا عن المستنقع الذي يريد البعض جرنا إليه عما إذا كانت ثورة يناير والتأثيرات السلبية التي تسببت فيها على قوة مصر أمام المجتمع الدولي هي السبب في إقدام إثيوبيا على بناء السد أم لا، أم أن تعاطي السياسة المصرية مع هذا التطور فيما بعد الثورة هو السبب الحقيقي فيما آلت إليه الأمور، فإن الصورة التي تلخصها المواقف المصرية، وأظنها تعبر عن قدر من الصدق والصحة، إنما تتطلب نهجا جديدا في التعامل مع أزمة سد النهضة، وهو أمر أتصور أنه قائم في ذهن القائمين على صنع القرار في مصر، حتى وإن لم يتم إعلانه.

لا أريد تكرار ما قلته في مقالات عدة من قبل عن أزمة سد النهضة وهو ما يمكن الرجوع إليه، وإنما البناء على ما هو جديد من تطورات والتي لمسها وزير الخارجية المصري في تصريحه الأخير أمس الاول والتي تتمثل في أن السياسة الإثيوبية تقوم في  التعامل مع مفاوضات سد النهضة انطلاقا من مبدأ «استنفاد الوقت»، استغلالا للنوايا الحسنة التي تبديها مصر ورغبتها في تسوية الأمر وديا دون الإساءة إلى ميراث علاقاتها الجيدة مع إثيوبيا وتبعات تطورات مسار هذه العلاقات على تلك التي تربط القاهرة مع باقي دول القارة الأفريقية، خاصة في ضوء تعويل مصر على هذا الجانب، الأمر الذي يبدو جليا من مجموعة الخطوات التي تقوم بها خلال فترة رئاستها للاتحاد الأفريقي هذا العام.

ما يمكن قوله إن استراتيجية المفاوض الإثيوبي ربما تستعير تلك التي يلتزمها المفاوض الإسرائيلي مع نظيره الفلسطيني وتقوم على سياسة النفس الطويل وفرض أمر واقع من الصعب إن لم يكن من المستحيل تغييره، ولعل نظرة على ما يجري في الأراضي المحتلة تشير إلى تلك الحقيقة.

لا يتطلب الأمر كثيرا من التأمل لإدراك تلك النظرة، حيث إن اثيوبيا ماضية في بناء السد فيما تستمر في الوقت ذاته في المفاوضات مع مصر، وكلما طالت المفاوضات انتهت مراحل كبري في عمليات البناء، إلى الحد الذي قد تنتهي معه اثيوبيا من بناء السد، فيما المفاوضات متواصلة. ولعل ذلك هو السبب في إعلان مصر على لسان وزير الخارجية هذه المرة عن تحذيرها وخشيتها من «محاولة تأسيس وضع أمر واقع على الأرض دون اتفاق»، وما يستتبعه، حسب شكري، من ضرورة الاتفاق في أقرب فرصة حول سد النهضة. 

صحيح أن هذا التصريح لا يعبر عن تغيير جذري في نهج الدبلوماسية المصرية تجاه أزمة السد، حيث أردفه الوزير بالتأكيد على المبدأ التصالحي التوافقي المصري الذي تؤكد القاهرة عليه والمتمثل في دعم حق إثيوبيا في التنمية، وهي رؤية بالغة المثالية والتحضر، إلا أنه ربما كان جرس إنذار بأن مصر قد لا تقبل استمرار الحال على ما هو عليه. وربما يدعم ما نذهب إليه تأكيد السفير محمد حجازي، مساعد وزير الخارجية الأسبق أن توقف مفاوضات سد النهضة لمدة عام أمر يثير القلق مع أهمية وحساسية هذا الملف بالنسبة إلى مصر باعتباره أمنا قوميًا لها.

لقد لخص الرئيس السيسي الأمر بلغة بسيطة واضحة حتى يصل إلى المواطن المصري ويتمثل في أن حجم المطلوب تخزينه خلف السد يقدر بنحو 75 مليار متر مكعب من المياه سيتم اقتطاع جانب منها من حصة مصر وهو ما يضر بها، وأن كل المسعي المصري هو أن يكون الضرر في نطاق التحمل. وأظن أن الطرح المصري على هذا النحو ربما يتطلب استجابة اثيوبية على مستوى هذا النضج في التعامل الودي، بعيدا عن أي نزاع ربما يقتضي الإشارة إلى حقيقة إنسانية أزلية تتمثل في «أن العفي لا يستطيع أحد أكل لقمته».

[email protected]