رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

مات  «عم عبد الباقى»  أشهر عامل بالتلفزيون.. كان من الممكن أن يقضى سنوات عمله التى ناهزت الأربعين عاما مجرد موظف بدرجة «عامل » يقدم الخدمات البسيطة للموظفين. عم عبده اختار أن يكون كلمة السر عند كبار موظفى ماسبيرو ابتداء من جيل همت مصطفى وسامية صادق وأحمد سمير ومحمود سلطان وسوزان حسن وميرفت رجب وغيرهم الكثير والكثير من أجيال العاملين ببيت الزجاج الكبير المسمى ماسبيرو.. عم عبد الباقى كان بشهادة الابتدائية أهم وأمهر من أكبر مدير شئون عاملين أو مدير شئون مالية داخل ماسبيرو.. كان يعرف رحلة أى ورقة رسمية تخص مذيعًا شابًا أو تخص وزير الاعلام – أيام ما كان فيه وزير إعلام – لم يكن أحد فينا نحن المذيعين والمذيعات يعرف شيئًا عن راتبه ومكافآته وجزاءاته وبدون اتفاق اتفق الجميع على حقيقة واحدة تقول « اترك كل شيء لعبد الباقى » ونام وخد نفس عميق وكل أمورك بيد أمينة وطاهرة.. عم عبد الباقى كان له درج صغير فى دولاب قديم متعدد الأرفف بالدور السابع، داخله كل أوراقنا التى تدل على نجاحنا وفشلنا وأجمل وأقبح ما فينا.. عفة نفسه كانت أكبر منا جميعا.. الأكثر من ذلك أن عم عبد الباقى كان بمثابة البنك الوحيد فى مصر الذى يقرض عملاءه بلا فائدة.. عم عبد الباقى كان يقرض فى حدود - من قصده - ولم يفشِ يوما سرا واحدا عن أحد.. عوراتنا وسوءاتنا نحن المذيعين والمذيعات يعرفها بتفاصيلها وبروائحها ولكن إنسانيته التى فطر عليها كفلاح من ريف الشرقية منعته من فضحنا أو مقايضتنا على خطايانا التى رآها ثم أطبق جفنيه عليها ونقلها فى مكان أمين بقلبه ونفسه.. حكايات عم عبد الباقى عن كبار ماسبيرو من الوزير لأصغر مذيع أو مخرج لو ضمها كتاب لأسقطت حكومات بأثر رجعى ووضعت وجهاء خلف قضبان العقاب أحياء وأمواتًا.. كان عم عبد الباقى بالنسبة لقيادات ماسبيرو أكثر فهما من كتيبة من الموظفين الذين لاهم لهم الا اعادة تدوير الذمم والضمائر لجنى مكاسب غير مشروعة مقابل أعمال غير موجودة الا فى أوراق مضروبة  .. عم عبد الباقى عرف تفاصيل كل شبر داخل ماسبيرو، ولو نطقت الجدران لشهدت معه على خطورة ما يعلم، ولو وجد عداد مسافات يحسب كم كيلومترًا قطعها عم عبد الباقى صعودا ونزولا بين أدوار ماسبيرو الـ 27 فربما جاء الرقم مذهلا بعشرات عشرات الكيلومترات.. تعاقب على التلفزيون رؤساء كثيرون وعلى المبنى وزراء كثيرون ويظل عم عبد الباقى أهم وزير بلا وزارة داخل ماسبيرو وأهم رئيس تلفزيون لم يجلس على المقعد الوثير لحظة واحدة.. مات عم عبد الباقى سابع يوم عيد الفطر – يوم 12 يونيو مقتربا من السبعين عاما وربما متجاوزا – انقطع عن ماسبيرو قبل ثلاثة شهور من موته بعد أن هزمه المرض وهو الذى هزم الدنيا بمشروع ابتسامة على وجهه لم يكتمل حتى آخر نفس خرج من صدره.. لم تهزمه غابة ماسبيرو التى يسكنها قليل من اليمام وكثير من الثعابين.. فى غابة ماسبيرو تدارى الألوان الزاهية جبالا من القبح.. تابعت من كتبوا عن عم عبد الباقى على مواقع التواصل الاجتماعى وشعرت بالراحة والرضا لأنه من النادر أن تجد إجماعا على نبل ونباهة رجل من كل الناس على اختلاف مشاربهم وتباين أخلاقهم ونفوسهم.. رحم الله عم عبد الباقى الذى تحدثت اليه لآخر مرة قبل وفاته بشهر ليس كرما منى ولكن حبا فى سماع صوته..رجل لو لبس يوما أثواب الكبار لكان من صفوتهم، ولكن تهمته التى سكنت معه قبره أنه عاش ومات بسيطا ومعه طويت أسرار لو باح بها يوما لزلزلت الكثير من الأسماء والألقاب التى تستر نفوسا زائفة وضمائر خربة.. المستند الوحيد الذى مات عم عبد الباقى ولم يستطع استخراجه كان شهادة وفاته.