رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

من بين يديها الحانية المدربة على صنع السعادة.. من خلال ابتسامتها الحانية التى كانت تشيع السعادة والاطمئنان، كان يبدأ العيد من عند امى..وكل الأعياد، على سطح منزلنا العامر بالصعيد، وفى ساعات الفجر من الليالى الأخيرة لشهر رمضان تسهر، تخمر..تعجن..تبس الدقيق والسمن وتطحن السكر، اليوم «فايش» برائحته المميزة الشهية التى لا تزال تملأ مخزون ذاكرتى، وتحرك شهيتى، وغدا كحك، وبعده بسكويت وغريبة وبيتى فور، صاجات صغيرة تلقمها فم الفرن البلدى الضخم بغرفة «الخبيز» كما كنا نسميها، ونحن حولها البنات نقتطع من العجين ونلعب ونصنع أشكالا لا معنى لها، نضحك لمشهدها حين تنضج ونقارنها بصناعة أمى الماهرة ذات الأشكال المهندسة والمنسقة ولا أجدع مخبز الآن.

إخوتى الصبيان يلعبون فى الشارع الاستغماية وبالكرة الشراب، ليؤانسونا فى هدأة الليل، ونظل هكذا ونحن معها منذ السحور فى الليالى الأخيرة للشهر الفضيل حتى قبيل الضحى، ساعتها نستسلم معها للنعاس بعد التعب اللذيذ، منا من يغافلها بعد وقت الإمساك ويلوك فى فمه قطعة من البسكويت أو البيتى فور فى تلذذ سرى، ويتظاهر باقى النهار بالصيام.. كنا صغارا نتحايل بفتات خبيز أمى على أى شعور بالجوع أو الحرمان.

نهرول خلفها إلى سوق «القيصرية» أكبر سوق للأقمشة ولكل احتياجات أى بيت فى محافظة سوهاج، تتركنا ننتقى اللون الذى يفضله أى منا دون اعتراض منها، وتشترى القماش وما يلزم من «كلفة» مما يجمل الفساتين التى ستحيكها لنا على ماكينة يد ماركة «نفرتيتى»، وكان آخر فستان تنتهى من حياكته فى الساعات الأخيرة من ليلة العيد.

مع فستان أى منا، كانت تشترى لى ولكل من شقيقاتى الثلاث حقيبة يد طفولية رائعة بنفس لون الفستان، مصنوعة من الإسفنج الملون والورق المقوى، مع الفستان حذاء جديد من « باتا» اذا توفر للأب فائض من المال، وإن لم يتوافر، كانت تلمع لنا احذيتنا بحرفية لتستعيد رونقها وبهاءها، وكان العيد يعنى لى ما هو أهم من الفستان والحذاء والحقيبة، كان يعنى أن أمى ستفرج عن ضفيرتى الطويلة المدلاة خلف ظهرى والمفروضة على فى المدرسة، وستحررها من الشريط الأحمر المرافق لها دوما، وستترك شعرى مرسلا فى عفوية على كتفى وقد زينته من جانب بـ«توكة» من البلاستيك على شكل زهرة عباد الشمس ولها فروع خضراء، وبهذه التوكة تكتمل زينتى - زينتنا- فى العيد، فتشعر أى منا إنها أميرة متوجة على عرش، بلون فستانها المميز المتناسق مع حقيبة يدها الرقيقة مع لون «توكة» الشعر، أنام ليلة العيد وأنا أحتضن كل تلك الأشياء الرائعة المتوجة بلمسات أمى، يهرب منى النعاس وأنا أراقب ضوء القمر من نافذة غرفتى متعجلة استبداله بشمس العيد، ولا يكاد ينتصر النعاس على جفونى، حتى أشعر بيد أمى الحانية وهى تهمس.. «صلاة العيد».

قبل أن نغادر للصلاة تكون أكواب الشاى باللبن جاهزة ومعها أطباق الفايش والكحك وباقى مخبوزات أمى فى أطباق رائعة، على السفرة المغطاة بمفرش من البلاستيك السميك المزخرف برسومات طفولية، «نلتهم» ما قسم فى عجالة مع الشاى، ونهرول للصلاة، وقبلها تكون العيدية مستقرة فى كفى الصغير من أبى ومن أمى، كانت قروشا صغيره، تطورت مع الأعوام إلى جنيهات، وتواصلت فى تلك السنوات الخضر من عمرى تفاصيل الاستعداد للعيد وفرحته المميزة، المغموسة بطعم الخبيز المسكر وبحنان أمى ودفء أبى وصخب إخوتى، وهم يتقاذفون البالونات الضخمة، ويفرقعون البمب و«الحبش»، وأهرول لاستئجار دراجة صغيرة، وأشترى لعبة بلاستيك، وأركب المراجيح و... وغيرها الكثير، لأن العيديات تنهال على من الأقارب والجيران حين نزورهم ويزوروننا.

كبرت.. غادرت أمى الحياة... أخذت معها طعم الخبيز والسكر وعمق الفرحة.. أشترى ملابس جديدة.. كحك فاخر.. شعرى بلا ضفائر... لكن المذاق مختلف.. وفرحة العيد باهته.. لا يؤججها إلا عبق الذكريات.. أرجوكم لا تضيعوا أى فرصة لتفرحوا بالعيد مع أمهاتكم.. أسركم.. عائلاتكم.. صلوا من قطعكم.. ولموا شتات فرقتكم.. ليكون العيد فرحة بطعم السكر.. تظل ذكراها مدادا لسنوات قادمة قد تكون عجافا من الأسرة واللمة... وكل عام وأنتم بألف خير.

[email protected]