عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

من بين الأسئلة الكبرى التى تواجه المسلم فى عالمنا المعاصر هو كيف يمكنه التوفيق بين ما قال به القرآن والسنة وما يحياه ويبدو مفارقا بشكل كبير لما تقول به النصوص الدينية؟ يوجد فى هذا الصدد مدرستان الأولى يصفها البعض بأنها تقليدية وتنطلق من أن القرآن صالح لكل زمان ومكان فى المطلق، فيما ترى المدرسة الثانية أن القرآن يصلح للزمان الذى نزل فيه فيما اصطلح على تسميته بـ«تاريخية النص القرآنى».

وفى ضوء الحساسية الكبيرة التى تنتاب تناول مثل هذه القضايا فإننا نشير إلى أن الأمر يقتضى نظرة تتجاوز الأولى وتتجنب شطحات الثانية. وإذا كان من الصحيح القول بأن القرآن ليس مجرد كتاب أحكام وتشريع، فإن الآيات التى تتضمن نوعا من التشريع والأحكام متنوعة وهى تنظم حياة المسلم وتحدد الواجبات والنواهى التى يجب عليه أن يلتزم بها فى حياته لتسير وفق السياق الذى يريده له الله أن يسير عليه. وفى ضوء استمرار الحياة الإنسانية بعد نزول القرآن حتى قيام الساعة ورحيل الرسول (صلى الله عليه وسلم) الذى تلقى الوحى، فإن السؤال الذى راود الكثيرين وحاول فقهاء الإسلام على مدار تاريخه تقديم إجابة له هو : كيف تنظم نصوص القرآن ما قد يستجد فى حياة المسلم وقد يبدو للبعض أنها تتعارض مع هذه النصوص؟

توجد فى هذا الصدد عدة اجتهادات، يذهب التيار الرئيسى فيها إلى الاعتماد على دراسة أسباب النزول باعتبارها تساعد على نقل الحكم من الواقعة الجزئية وتعميمه على ما يشابهه من الوقائع والحالات بالقياس، ذلك أن الوقائع، وفق أصحاب هذه الرؤية، لا نهاية لها فى حركة مستمرة ومتغيرة وأحيانا متناقضة بينما يبقى النص محددا وإن كان قادرا على استيعاب تلك الوقائع بحكم قدرة اللغة على التعميم والتجريد، فيما يذهب تيار آخر إلى ضرورة تأويل النص الدينى بما يتوافق مع الواقع، وهو الرأى الذى يتوجس منه الكثيرون باعتبار أنه قد يؤدى إلى نهايات تؤدى إلى التملص من تطبيق النص.

غير أن التمسك الحرفى بالرؤية الأولى يتصادم مع حقيقة أن القرآن ذاته وخلال فترة نزوله شهد تغييرا لأحكامه انعكس فى مبدأ «الناسخ والمنسوخ» والذى يعنى الغاء الحكم السابق بحكم لاحق بعد فترة زمنية من أجل تعديل الحكم واعادة تكييفه طبقا لتجربة التطبيق الاولى تخفيفا وهو الغالب أو تشديدا وهو الأقل. وفى ذلك الصدد يشير الدكتور حسن حنفى فى كتابه «علوم القرآن» إلى أن «.. منهج الوحى منهج تجريبى واحكامه واقعية وهو درس فى التجريب والتعديل طبقا للظروف المتغيرة ولا يضر الوحى أن تتغير أحكامه طبقا لتغير الظروف فالتغيير سنة الكون وهو العنصر الثابت فى الحياة».

ولأن المجال يضيق عن التعرض للأمر بالتفصيل ولاعتبارات المساحة نشير إلى قضية تحريم الخمر والتى يكشف استعراض آيات القرآن بشأنها عن التدرج فى تحريمها فقد بدأ القرآن الكريم بالأية «يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما» وما يتم الإشارة إليه هنا أن حرص الناس على التمسك بالخمر كان سببا فى عدم تحريمه جملة واحدة فقوة الواقع، حسب تفسير البعض، جعلت النص يكتفى بالإشارة إلى ما فيها من إثم دون المغامرة بتحريمها الذى لم تنضج شروطه بعد. أما الآية الثانية : يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون» فقد كان هدفها علاج إدمان الخمر انطلاقا من منعها قبل مواقيت الصلاة. ثم كانت الآية الثالثة التى اعتبرت بمثابة التحريم الفعلى للخمر «يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه».

وإذا كان القرآن قد انتهى إلى تحريم الخمر، فلم يصل بانتهاء نزوله إلى تحريم الرق رغم ما دعت إليه آياته المختلفة من توسيع منافذه. ومن ذلك قوله تعالى « وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ»، وكان من أحكام توسيع التحلل من ظاهرة الرق قوله تعالى « وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا».

السؤال فى معرض تناول الجانب موضع الحديث المتعلق باحكام القرآن هو إذا كان التطور الإنسانى قد حقق المقصد القرآنى الرامى إلى القضاء على ظاهرة الرق، رغم عدم نصه صراحة على تحريمها فى زمن نزوله، فألا يجوز للمسلمين العمل بما يمكن اعتباره نسخا بشريا للآيات التى تتضمن مثل هذه الأحكام أم يصر المسلم على أن القرآن ينص على العبودية ويتواصل تنظيم مثل هذه الظاهرة فى المجتمع الإسلامي؟

ربما يكون هذا المثال أوضح ما يكون على المنهج الذى يجب على المسلم أن يتعامل به مع القرآن فى إطار مبدأين أساسين هما: حسن النوايا وحسن الإسلام.

[email protected]