رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

 

 

 

جاء فى القرآن (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب)، ودلت آية أخرى على أن آدم مخلوق من الطين (إنى خالق بشراً من طين) وجاء فى آية (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون). ويرى المفسرون أن الله خلق آدم أولاً من تراب، ثم من طين أو حمأ مسنون وهو الطين الأسود والمسنون قيل إنه المتغير أو الحجر الذى يسن الحديد عليه.. ثم صوّر آدم على هيئته وتركه فى الشمس أربعين سنة، ولأن الريح كانت تمر به وتصلصل، سماه الله تعالى صلصالاً.. ثم نفخ فيه الروح وكان آدم عليه السلام!

ولأن الإنسان ظل الله على الأرض، فكانت صناعة الفخار أول صناعة عرفها البشر، ومن الفخار تعرّف علماء الجيولوجيا على الحضارات القديمة بما دونه عليها من زخارف ونقوش وعلامات.. والتوراة والانجيل وردت بهما نصوص كثيرة عن الفخار وصانعه « الفخاري».. ولأن صناعة الفخّار حرفة فرعونية قديمة، ولأن الصعيدى أقدم المصريين، فإن صناعة الفخار كانت هى مهنته الأولى.. وتعتبر محافظة قنا، هى أول منطقة صناعية عرفها العالم، لصناعة الفخار والقلل القناوى.. وذلك لأن تضاريس هذه المحافظة قاسية مثل طقسها الحار وفقرها المدقع.. فهى محصورة بين جبل ونهر، ولا شيء آخر، ولا بديل امام اهلها للعيش فى هذه الظروف المناخية والجغرافية الصعبة سوى صناعة الأوانى من حجارة هذا الجبل مثل الزير والجرّة والبكلة والقلّة والزهرية والفازة والمرقسية والطاجن والزعافة والأبريق والبلاص.. وتوجد فيها قرى معينة اشتهرت بهذه الصناعة مثل قرى الترامسة والطويرات والدير والمحروسة، وهناك قرى وعائلات تسمّت بأسماء الفخرانية والفواخرية والبلاص والبلاليص..!

وفى زمن ما قبل الثلاجة والمكيف والبوتاجاز والاستانلستيل كانت بيوت الصعايدة والفلاحين بطول مصر كلها لا تعرف غير طهى الطعام فى أوانى من الفخار، وكذلك لتخزين ما يجدونه فى أيام الضنك والعوز مثل المش والجبنة القديمة والعسل الأسود، والليمون المخلل.. وأجهزة البيت كانت عبارة عن «كانون وقلل وأزيار».. وكانت نظافة واناقة ست البيت تعرف من « القلل» التى تضعها على حافة الشباك أو البلكونة فى صينية من نحاس أو ألومنيوم وكذلك الأغطية، حسب الحالة المادية للأسرة أو تعلوها أعواد النعناع، وفيها ليمون أو ماء زهر.. وفى شهر رمضان فإن تحضير القلل، وملء الزير سواء الذى داخل البيت أو خارجه لعابرى السبيل من الاعمال المهمة وخصوصاً فى فصل الصيف الحار جدا فى قنا!

ولأهمية القلل فى حياة المصريين غنى سيد درويش من تأليف العبقرى بديع خيرى.. «مليحة قوى القلل القناوى.. رخيصة قوى القلل القناوى.. قرب حدانا وخد قلتين».. وغنت المطربة نجاة الصغيرة من كلمات العزيز مرسى جميل عزيز ولحنها المبدع محمد الموجى.. «قلة حبيبى ملانه وعطشانة يانا.. اروح له ولا أروّح.. أشرب حدانا»، وغنت البنات بأنوثة مكبوتة.. «البحر بيضحك ليه وأنا نازله أدلع أملا القلل».. والقنائيون واجهوا الحر الشديد بالقلل، ولأنها أعز ما يملكون فإنهم عبروا عن فرحتهم بالتخلص من شخص غير مرغوب فى وجوده، سواء كان ضيفاً أو مسئولاً  بـ«كسر وراه قلة» احتفالاً برحيله..!

 

[email protected]