عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

فى تراثنا العربى الإسلامى هناك العديد من المفاهيم التى ينبغى أن تتم مراجعتها وزعزعة اليقين بها لدى الجمهور المسلم بعد أن أصبحت من المسلمات التى لا يرتقى إليها الشك، ولعله من هنا يبدأ تجديد الفكر الدينى بالشكل الذى يسمح لنا بتجاوز أمور ربما يزيد التمسك بها من مساحة أزماتنا الفكرية مع التعامل مع الكثير من قضايا الدين.

قد لا يأتى على رأس هذه المفاهيم ذلك المفهوم الذى نعرض له فى هذه السطور، غير أنه يبقى من المفاهيم التى ينبغى إعادة الاقتراب منها برؤية مختلفة على هدى مما ورد فى تراثنا القديم، وعلى هدى القراءة المتفتحة الناقدة لبعض مكونات هذا التراث.

فمن الأمور التى استقرت فى ذهن المسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يكن يقرأ ويكتب، وهو ما اعتبر فى أكثر جوانبه أهمية دليلاً على أن القرآن معجزة لم يستطع أن يأتى بمثلها من كل يقرأ ويكتب من خصوم الدعوة رغم تحدى القرآن لهم بالإتيان بمثله. وقد جاء ذلك اليقين من تفسير قوله تعالى فى سورة الأعراف «الذين يتبعون الرسول النبى الأُمىَّ الذى يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل». وهو ما يقصد به النبى صلى الله عليه وسلم، واعتبار بعض المفسرين أن لفظ الأُمىِّ هنا ينصرف إلى عدم القراءة والكتابة.

جاء ذلك رغم وجود رؤى أخرى مختلفة لمفهوم الأُمىِّ، لم يكتب لها أن تنتشر، ومن ذلك مثلاً حسبما يذكر المفكر المغربى الراحل محمد عابد الجابرى فى بحث قيم له حول هذا الموضوع نستند إليه بشكل أساسى فى تناولنا جاء ضمن كتابه «مدخل إلى القرآن الكريم» ما قاله ابن عباس فى معنى أميين فى الآية التى تقول: «وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم.. » أنهم قوم لم يصدقوا رسولاً أرسله الله، ولا كتاباً أنزله الله، فكتبوا كتاباً بأيديهم ثم قالوا لقوم سفلة جهال هذا من عند الله. وقد أخبر القرآن بأنهم يكتبون بأيديهم ثم سماهم أميين لجحودهم كتب الله ورسله، وكذلك ما ذهب إليه ابن تيمية من أن الأميين نسبة إلى الأمة، وأن معنى الأُمىِّ العامى الذى لا تمييز له.

بعيداً عن الروايات القديمة، فإن تحليل جواب النبى على أمر جبريل له بالقراءة: اقرأ ورده بقوله: ما أنا بقارئ يمكن حمله على الاستفهام وبالتالى يكون رد النبى، وفق أصحاب هذا الرأى، استفساراً عما يريد جبريل منه أن يقرأ، وليس نفياً لمعرفة القراءة.

من الأسانيد التى يتم تقديمها فى تدعيم هذا التوجه فى نفى النظرة السائدة لمفهوم أُمية النبى بالمعنى الشائع أن القراءة المقصودة لم تكن بمعنى أنها من نص مكتوب، وإنما التلفظ بالأصوات وترديد ما يتلوه جبريل على النبى صلى الله عليه وسلم.

ولأن المجال يضيق عن استعراض الأمر بالتفصيل اللازم نشير سريعاً إلى ما تطرحه بعض الآراء من أن النبى كان قبل البعثة يتردد على الشام فى تجارته للسيدة خديجة، وأنه من غير المتوقع أن يكون جاهلاً بالكتابة والحساب وهو يقوم بمهمات التجارة، بينما كان أقرانه ممن هم أقل شأناً منه يعرفون ذلك، فإن ذلك يعزز الرأى القائل إنه كان يعرف القراءة والكتابة، وهو ما لا ينال، كما يقول الجابرى، من كون النبى نبياً رسولاً، فليس من شرط النبوة عدم المعرفة بالكتابة والقراءة، فالنبوة قائمة على الوحى، وليس على قراءة الكتب، كتب الدين أو غيرها.

ومن القرائن الأخرى التى تقدم فى هذا السياق، أن النبى صلى الله عليه وسلم عدل بنفسه فى عقد صلح الحديبية مع قريش، والذى كلف هو على رضى الله عنه بكتابته، فمحا كلمة محمد رسول الله التى اعترض عليها ممثل قريش، وكتب مكانها محمد ابن عبدالله.

أما الآية التى يتمسك بها معظم المفسرين فى التأكيد على أمية الرسول وهى «وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون» فإن استنتاج أنها تشير إلى جهل النبى بالقراءة والكتابة يقع خارج سياق الآية، ويأتى دحضاً لاتهام النبى بافتراء القرآن بالنفى عنه ما كان عليه حال الأساقفة والرهبان الذين كانوا يقرأون التوراة والإنجيل وينسخونهما.

هناك مقاربة أخرى لهذا التناول لمفهوم أمية النبى يقدمها المفكر التونسى هشام جعيط فى كتابه «الوحى والقرآن والنبوة» يتساءل من خلالها عما إذا كان النبى «أميًّا» بالمعنى الذى ساد، فكيف يوصف كل العرب بأنهم أميون، وقد كان فيهم من يحسن القراءة والكتابة، مضيفاً أن النبى الأمى فى تصوره إنما تعنى النبى المبعوث من غير بنى إسرائيل.

قد لا يكون لذلك الخلاف حول مفهوم أمية النبى وهل يعنى معرفته القراءة والكتابة أم لا، من تأثير عملى على مسار الإسلام ومسيرة المسلمين فى التاريخ، وأن الأمر ربما يظل قضية فكرية ليس أكثر، غير أنه يكشف عن تسييد رؤى معينة واستبعاد أخرى، الأمر الذى ربما يكون له تأثيره بالغ الأهمية والخطورة بشأن مفاهيم أخرى نتناولها مستقبلاً إن شاء الله.

[email protected] com