رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

القدماء المصريون، علمونا وعلموا العالم، أهمية توثيق الاحداث والوقائع التاريخية، بتسجيل معاركهم وانتصاراتهم وعلومهم وفنونهم.. حتى حياتهم اليومية، في طعامهم وشرابهم وملابسهم.. فقد دونوا كل شيء على الأوراق والمعابد والجدران وفي المقابر.. ولذلك نكاد نعرف عنهم كل كبيرة وصغيرة.. وكان يجب علينا، على الأقل تقليدهم، في الحرص على كتابة تاريخنا.. ولكن للأسف لم يحدث، مع أن العالم كله تعلم منهم الكثير، ولكن يبدو أننا لم نتعلم منهم شيئاً!

وقيل إن التاريخ يكتبه القادة، ولا يكتبه الجنود، لأنه ببساطة هو تاريخ القادة وليس تاريخ الجنود.. مع أن الجنود هم الذين يكتبونه بدمائهم.. ومع ذلك فشلنا في كتابة تاريخ هؤلاء القادة.. ولا يوجد حدث تاريخي واحد في عصرنا المعاصر، وليس الحديث أو القديم يمكن أن يكون له رواية واحدة مصدقة وصادقة.. وكلها آراء ووجهات نظر وحكايات، تتقاذفها الميول والأهواء والاتجاهات السياسية.. والنفسية احياناً.. فهل يعرف أحد ماذا حدث في ليلة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، وكيف تمت هذه الحركة، ومن قادها، ومن كان السبب في نجاحها.. لا أحد يعرف؟!.. فإن ما رواه الرئيس عبدالناصر شخصياً، يختلف عما رواه الرئيس السادات، وروايات الاثنين تختلف تماما عن كل ما كتبه أعضاء مجلس الثورة في مذكراتهم.. وبالقياس لا توجد رواية تاريخية موثقة وثابتة لكل الأحداث المهمة في تاريخنا!!

ومؤخراً.. زرت برج القاهرة، ويومها بحثت عن لوحة أو جدارية تحكي قصة بنائه كما فعل اجدادنا الفراعنة.. ولم أجد مع أنه أول وأطول برج في أفريقيا، والعالم العربي، إن لم يكن في الشرق الأوسط.. وقد أنشئ بين عامي 1956 و1961 على شكل زهرة اللوتس، ويصل ارتفاعه إلى 187 متراً وهوأعلى من الهرم الأكبر بالجيزة بحوالي 43 مترا، ويوجد على قمته مطعم سياحي بديع يدور برواد المطعم على منصة دوارة ليروا معالم القاهرة من كل الجوانب!

ومشكلته.. إننا كدنا ننساه، ولا يتم تسويقه كمزار سياحي، ولا حتى كرمز سياسي.. فإذا كانت هناك أبراج تنافسه في الطول في المنطقة، ولكنها بلا تاريخ سياسي، ولا وراءها أي معنى سوى تسويقها بصورة محترفة.. وأتذكر في زيارة لمدينة دبي ذهبت لصعود برج خليفة، وفوجئت بأنه كامل العدد لمدة أيام، ويجب الحجز قبل الزيارة بأيام مع إنه مجرد بناء طويل بينما زيارة برج القاهرة فهي زيارة لأحداث سياسية، وصعوده هو صعود الى تاريخ يستحق استرجاعه وتأمله والاستفادة منه.. ورغم ذلك فإن قصة بناء هذا البرج مشكلة أخرى تضاف الى مشكلة تسويقه.. فلا أحد يعرف الرواية أو الأسباب الحقيقية التي كانت وراء بنائه.. وهناك ثلاث روايات مختلفة..!

رواية قالها المؤرخ جمال حماد، وهو من الضباط الأحرار، بأن البرج تم بناؤه بـ 6ملايين جنيه قدمتها أمريكا لمصر بهدف التأثير على موقفها المؤيد للقضية الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي، ورواية أخرى رواها حسن التهامي، من الضباط الاحرار، بأنه تسلم حقيبة في القاهرة (وقيل تسلمها في أمريكا) بها أموال من ضابط المخابرات الأمريكي مايلز كوبلن وهو رجل أعمال، وموسيقار، وصاحب كتاب «لعبة الأمم» الذي كشف علاقة أنظمة الحكم العربية بالمخابرات الامريكية، كهدية من الكونجرس الأمريكي للرئيس عبدالناصر، الذي وجه ببناء البرج بها، ورواية ثالثة قالها الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل بأن عبدالناصر عرف بالصدفة من اللواء محمد نجيب في اجتماع يبحث في توفير أموال لبناء برج اتصالات في القاهرة، بوجود أموال أرسلتها أمريكا لمساعدة مصر، ولكن عبدالناصر قام ببناء برج القاهرة بها لفضح محاولات أمريكا رشوة النظام الجديد.. فأين الحقيقة في الروايات الثلاث، وهل هذه طريقة لكتابة التاريخ، أو لتسويق مبنى تاريخي.. وأين وثائق هذه الاحداث؟!

[email protected]