رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

                                                                                                                                                                        

فيما يشبه التغريد خارج السرب سعى الكاتب الكبير الدكتور عمرو عبد السميع لأن يقدم مقاربة له بشأن «مأزق الصحافة المصرية» في مقال له حمل العنوان السابق، نشره في جريدة الأهرام في 8 مارس الماضي. ورغم ما قد يتوقعه القارئ من كاتب بوزن الدكتور عمرو باعتباره صحفيا مخضرما، فضلا عن أكاديميته في مجال الإعلام التي تجعله يقدم رأيا ربما يكون أكثر تميزا من غيره، إلا أن المقال بدا متجاوزا لكل ما هو بديهي في الحديث عن هذه القضية، في ذات الوقت الذي لم يقدم فيه رؤية يعتد بها كثيرا في هذا الصدد، وإلا فإنه في هذه الحالة يكون وراء الأكمة ما وراءها من حديث الدكتور عمرو وأن مساحة المسكوت عنه في المقال تبقى متجاوزة بشكل كبير لمساحة المصرح به وما تقوله سطوره بشكل مباشر، رغم أن ذلك ليس ديدن الدكتور عمرو ولا طبيعته ولا يعبر عن خطه الفكري والسياسي!

حسب الدكتور عمرو فإن أزمة الصحافة لا تعود إلى أي من الأسباب التي يتم تقديمها في محاولة تحديد أسباب الخلل بشأنها، ومن ذلك ما يسوقه البعض من أن زيادة المديونية تعود إلى غلاء أسعار مستلزمات الإنتاج من ورق وحبر وأقلام وغيره، كما لا يؤمن الدكتور عمرو أو يعتقد أن الأزمة تعود إلى قلة الإعلانات التى جاءت نتيجة انخفاض أرقام التوزيع وارتباك النشاط الاقتصادى فى البلد بسبب عملية يناير عام 2011 لعدة أعوام مما يترتب عليه توعك سوق الإعلان.

ليس ذلك فقط بل إن الدكتور عمرو لا يرى – على عكس كل التشخيصات – أن الأزمة تعود إلى منافسة غير متكافئة مع الوسائط الإلكترونية الحديثة للاتصال مثل (النت). ويبدو أنه يحاول تفنيد كل ما يقدم في معرض تحديد أسباب مأزق الصحافة فيشير إلى أن ذلك لا يعود كما يزعم البعض إلى الزيادة غير المنطقية لأعداد العاملين فى الصحف لأسباب انتخابية أو بسبب المجاملات السياسية أو العائلية.

كل ما سبق أسباب لا يراها الدكتور عمرو أسبابا منطقية لأزمة الصحافة تجعلها كما يلمس العائشون في كنفها تشعر بوطأة الظروف التي تواجهها وتلقي بظلال كئيبة على حياتهم ، ولكن أزمة الصحافة في منظوره تعود إلى سبب ثان خالص من الغريب أنه غاب عن كل من حاول البحث والتحري والتقصي في ازمة الصحافة المصرية .. هذا السبب هو «أزمة مضمون» .. بالدرجة الأولى. عندما يثور لديك السؤال على هذا الحديث .. لماذا هي أزمة مضمون يا دكتور عمرو؟ تأتيك الإجابة سريعة لأن الصحف المصرية صارت بلا قضية!

ياااه .. معقولة الصحافة المصرية بلا قضية وبالتحديد منذ ما بعد ثورة يناير؟ كيف ؟ هذا ما يشرحه الدكتور عمرو واعتذر عن زيادة مساحة الاقتباس من مقاله ولكن الاستشهاد له وظيفته في الموضوع حيث يقول: «عرفنا تاريخيا مثلا أن روزاليوسف قادت لسنوات ثورة اجتماعية وفكرية عبر كتابات الأستاذ إحسان عبد القدوس عن حرية المرأة والتخلص من قيود التقاليد، فى حين كانت قضية أخبار اليوم هى تبنى روح العصر والفكر الجديد الذى أوشك وقتها أن يهيمن على المنطقة، وكانت (الجمهورية ـ جريدة الشعب) صحيفة الثورة المصرية، أما الأهرام فكانت جريدة القيادة السياسية ذات الأنباء الموثوقة والآراء التى تعكس ما يفكر فيه القائد».

عندما فرغت من قراءة مقال الدكتور عمرو رنت في أذني تلك العبارة الشهيرة بالنسبة لي ولا أستطيع نسيانها، والتي ذكرها المرحوم الشيخ عبد الحميد كشك في إحدى خطبه في معرض تعليقه على قصة لإحسان عبد القدوس تحولت إلى فيلم هو «أرجوك اعطني هذا الدواء».. حيث كان الشيخ يسخر قائلا: أي دواء تقصد يا إحسان؟ والدواء طبعا لكل من قرأ القصة أو شاهد الفيلم معروف. رحت أتساءل بيني وبين نفسي : أي مضمون تقصد يا دكتور عمرو؟ «مضمون إيه اللي انت جاي تقول عليه».

ولأن الدكتور عمرو من قادة الرأي وكلامه مهم بالنسبة لي فقد حاولت التفكير فيما يقدمه من حديث عن المضمون؟ ورحت أسأل نفسي هل المضمون هو المحتوى؟ ولا إيه بالضبط؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل يملك الدكتور عمرو إجابة عن السؤال بشأن عدم امتلاك الصحافة المصرية مضمون يجعلها تنتشر بين القراء كما انتشار النار في الهشيم.. والعياذ بالله!

وإذا كان صحفيو هذه الأيام اختلفوا عن صحفيي الأيام الخوالي، وتراجعت قدراتهم، فهل إليهم وحدهم يرجع سبب عدم تقديم مضمون جيد؟ ولماذا بالذات بعد يناير 2011؟ في رأيي أن الدكتور عمرو مطالب بأن يثري مقاربته بأن يقدم لنا رؤية أكثر تفصيلية في هذا الشأن، حتى يكون إسهامه بحق موضع مسئولية كل دار صحفية ومسئولية كل صحفي بشكل يتجاوز كثيرا – حسبما يرى – الكلام عن «مأزق الصحافة وأزمتها ونهايتها»!

 

د. مصطفى عبد الرازق

[email protected]