رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

فى الحديث والتندر عن طبائع الشعوب والأزمات التى تواجهها خاصة فى منطقتنا العربية يروى أن مصريا وسودانيا وعراقيا سئلوا ما رأيك فى أكل اللحمة؟ فأجاب المصرى يعنى إيه لحمة وأجاب السودانى يعنى إيه أكل وأجاب العراقى يعنى أيه رأي. القول كاشف وبالغ التعبير وإن كان يجب التوضيح أنه يشير إلى حقبة سابقة ربما تعكس التصور الشائع عن واقع الدول الثلاث فى عقدى السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.

من منا ممن عايشوا تلك الفترة فى مصر لم يرَ طابور الجمعية لشراء اللحوم والفراخ المجمدة، حيث كان شراء كيلو لحم من الأمور التى تدخل السرور والحبور على  أفراد الأسرة. ورغم قسوة الحديث فى الشأن السودانى إلا أنه ربما يعبر عن حجم الأزمة الاقتصادية التى واجهها فى فترة من فترات حياته. أما عن العراقى فقد عكس المثل فترة حكم الرئيس الراحل صدام حسين التى اتسمت بالديكتاتورية وقمع كل الحريات الشخصية، ما كان معه يستحيل على أى مواطن عراقى أن يعبر عن رأيه بحرية وإلا كانت عاقبته بالغة السوء.

على المنوال ذاته فإننا فى عالمنا العربى وفيما نعيش أكثر مراحل التطور الإنسانى حرية، فإنه يبدو أننا مجبرون على الخوض فى مناقشة البديهيات على وقع الوضع بالغ الصعوبة الذى يعيشه الكاتب العربى فى عدد من الدول العربية وتحول دون تمتعه بحرية الكتابة بالشكل الذى يتيح له التعبير عن مكنون نفسه على النحو الذى يراه ملائما، حتى أصبح لسان حاله يدور حول محاولة تحديد ماهية فكرة مقال الرأى.

بحكم أشياء كثيرة، على رأسها طبيعة المهنة اطلعت على الكثير من الغرائب فى هذا الصدد، فقد هالنى أن يقدم كاتب يتصور نفسه كاتبا كبيرا على تقديم مقالات هى أبعد ما تكون عن مقالات الرأى، هى قص ولصق من الإنترنت، صحيح أن ذلك كان غصبا عنه فى بعض الأحيان، بعد أن حارت به السبل فيما يكتب، لكن أن يصل به الحال لتقديم معلومات وتعليمات وتوجيهات متنوعة ومختلفة فى شكل يتصوره هو مقالات رأى فتلك طامة كبرى رغم أن مفهوم المقالة يعنى فى النهاية تقديم رأى ورؤية خاصة بصاحبه. من بين ما تصور البعض بالخطأ أنه مقالات رأى نشر بعض الحكايات والعظات التى يتداولها الناس عبر مجموعات «الواتس» و«الفيس»!

 إذا لم تبدُ حجتى مقنعة لك أشير هنا إلى عنوان كتاب لأبى الحسن الأشعرى هو «مقالات الإسلاميين»، وقد كتبه فى زمن لم يكن هناك فيه صحف أو إعلام وهو يتضمن ما يراه الرجل مواقف ورؤى جميع الفرق والاتجاهات الفكرية التى شهدتها الساحة الإسلامية منذ وفاة نبى الإسلام محمد وحتى بدايات القرن الثالث الهجري. وقد جاء الكتاب فى معرض معارك فكرية طاحنة دارت بين السنة والمعتزلة فى ذلك الوقت، حيث انتصر هو نفسه للتيار السني. على النحو ذاته يمكنك مثلا أن ترى الرأى نفسه فى عنوان كتاب للفيلسوف الفرنسى ديكارت بعنوان «مقال عن المنهج» وفيه قدم جوهر نظريته عن المعرفة والتى تشمل مبدأه فى الشك.

ولعله على هذا الأساس يمكننا القول بثقة إن لفظ المقال يتضمن فى ذاته فكرة تقديم رأى ورؤية. صحيح أن المصطلح تطور بعد ذلك ليتخذ مناحى أخرى خاصة بعد ظهور الصحافة، غير أنه فى جوهره لم يتغير، فالمقال يعنى تقديم وجهة نظر بشأن قضية أو موضوع معين! وعلى هذا الأساس شطح البعض فى تصوره إلى حد التأكيد أن علما مثل الجاحظ وهو من كتاب القرن الثالث الهجري، يستحق أن يكون من هذا المنظور القائم على رصد حالة المجتمع وتقديم وجهات نظر ثرية بشأنها أعظم صحفى ممتاز، بل إن الأدب الجاحظي، حسب هذا التصور، يمكن أن ينظر إليه على أنه صحافة كاملة لذلك العصر.

فى محاولة لتحديد علمى لهذا الأمر قرأت كتابا رائعا للدكتور عبد اللطيف حمزة الذى عمل استاذا ورئيسا لقسم الصحافة بكلية الآداب جامعة القاهرة تحت عنوان: «أدب المقالة الصحفية» يعرف فيه المقالة الصحفية بأنها.. «ليست أكثر من فكرة من الأفكار يتصيدها الكاتب الصحفى أو يتلقفها من البيئة المحيطة به، على أن يحدثنا فى رزانة وأن يشعرنا بلذة الحديث وأن يشركنا معه فى استعراض المسائل التى تتصل بحياتنا العامة وأن يقف منا فى كل ذلك موقف الصديق الذى يساوينا فى المنزلة وأن يعرض لنا الأمور التى ينقدها عرضا يشعرنا فيه بنوعين من الشعور هما الشعور بالسخط على أمر معين، أو شعور بالسخرية من هذا الأمر المعين، كل ذلك فى غير عناية من الصحفى بنفسه، وهذان العنصران – كما يرى الدكتور عبد اللطيف – لازمان للمقالة الصحفية ما دمنا ننظر إلى الصحافة على أنها ناقدة للحكومة وناقدة للمجتمع» وذلك باعتبار ما يراه الدكتور حمزة من أن «الصحافة هى المتنفس الوحيد للشعب، فإذا حيل بينه وبين التنفس، أوشك أن يتعرض للموت المحقق، وأن يعرض الحكام أنفسهم للخطر الحقيقي».

ورغم ذلك فما زال الكثيرون يثيرون حالة من الجدل سواء بممارستهم أو بما يقدمونه حول ماهية مفهوم مقال الرأي!

‏:[email protected]