رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

أعترف أنني شعرت بالحيرة والعجز عن القدرة على الفعل عندما تابعت نبأ إعلان إقرار ترامب بسيادة إسرائيل على الجولان. كانت الصورة التي وزعتها وكالات الأنباء بالغة الاستفزاز لمشاعر كل عربي غيور على أراضيه، حيث بدا فيها ترامب، بكل صلف، يرفع الوثيقة التي يقر فيها بهذا الأمر، فيما وقف إلى جانبه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو مبتسماً والفرح يملأ قلبه.

كان السؤال الذي يراودني وقتها: ماذا سنفعل نحن كعرب؟ جاءتني الإجابة على الفور بأن البعض سيحاول أن يذكرنا بأن الجولان محتلة منذ أكثر من نصف قرن، فما الجديد، فما فعله ترامب؟ في محاولة لإلجامنا عن الكلام وتحمل طعنة الخنجر في جنباتنا دون أن نصرخ بقولة: آه! وهي الصرخة التي لا يملك مثلي أو مثلك من المواطنين العرب البؤساء سوى التأوه بها.

كنت قد بدأت الكتابة في موضوع آخر، غير أني شعرت أن الحدث لا يجب أن يمر دون تعليق ولو من باب تسجيل موقف، فلا يكفي أن نطالب الآخرين بالتحرك، فيما نحن لا نفعل شيئاً حتى ولو بقول كلمة.

تخيلت عبارات الشجب والاستنكار التي ستمتلئ بها صحفنا وإذاعاتنا وفضائياتنا في توجيه سهام النقد إلى إسرائيل وقد ينال ترامب بعضاً منها. لقناعتي بأنني لن أقدم الجديد حاولت الخروج من تلك الحالة بالغوص في التاريخ، الذي أجد فيه في الكثير من المواقف سلواي وعزائي وتخفيف حدة توتري في مواجهة هذه الأزمات غير الشخصية! وانطلاقاً من يقيني بصحة المقولة التي تؤكد أنه ما أشبه الليلة بالبارحة.

وجدت ضالتي فيما ذكره المفكر محمد أركون في كتاب له بعنوان «أين هو الفكر الإسلامي المعاصر» يشير فيه إلى نص للعالم الجغرافي ابن حوقل والذي عاش في القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي، يقول عنه أركون في معرض تناول مقتبس منه أنه ما أن نقرؤه جيداً حتي تذكرنا لهجته كما لو غصباً عنا بمشاعر المسلمين اليوم تجاه إسرائيل والإمبريالية الغربية. مع مضمون النص تشعر وكأن ابن حوقل ينوح على ضياع الجولان، كما ناح من قبل في الحقيقة وخلال حياته على ضياع ما هو أكثر منها بسبب ضعف المسلمين وسياسات حكامهم.

يقول ابن حوقل: «وكان لها ضياع وقرى ونواح خصبة حسنة- يقصد بلاد المسلمين-  فاستولي عليها العدو وملكها.. وبجوارها من السلاطين والبوادي والقروم والملوك من قد أشغله يومه عن غده وحرامه وحطامه عما أوجب الله تعالي والسياسة والرئاسة عليه. 

فهو يلاحظ ما في أيدى تجار بلده ويشتمل عليه ملك رعيته ليوقع الحيلة على أخذه والشبكة على صيده والفخ على ما نصب له ثم لا يمتّع فيسلب عما قريب ما احتقب من الحطام وجمع من الآثام».

يقول ابن حوقل في مقطع آخر «وقف عليه الروم- جزء من ديار المسلمين- غير وقت فاستحسنوه ولم يتعرضوه ثم هادنهم أهله خوفاً مما علق ببلاد المسلمين من الخذلان وهلاك السلطان وقلة الإيمان.

وإن بقيت الحالة على ما نحن به فالأمر صعب والمخوف المتوقع أعظم وأجل وكأن الناس وقتنا هذا في شغل بأحزانهم عن ذكر سلطانهم وهلاك أديانهم وخراب أوطانهم وفساد شأنهم».

يقول أركون: بعد أن تقرأ هذا النص تصاب بالدهشة، فهذه الموضوعات التي كتب فيها ابن حوقل قبل ألف سنة يمكن أن نسمعها الآن على شفاه كل المسلمين المعاصرين في أحاديثهم اليومية أو في نكاتهم الاستهزائية أو في أمثالهم وقصصهم الشعبية المزدهرة في مصر والجزائر بشكل خاص.

ويضيف: قلت هناك تشابه بين الأمس واليوم مع فارق واحد هو أن ابن حوقل كان عالماً جغرافياً مثقفاً جداً وكان يستطيع أن يعبر عن آرائه النقدية الاجتماعية بصفته مثقفاً معترفاً به، أما اليوم فإن المثقفين العرب أو المسلمين يضطرون إما للصمت في أحسن الأحوال وإما للانخراط بشكل صريح أقرب إلى جانب الأنظمة التي تتحكم بالسلطة في معظم الأحيان. فهل نطمع في أن يفرز لنا وضعنا المعاصر ابن حوقل جديداً يضع يده على السبب الذي أوصلنا إلى الحالة المزرية التي وصلنا إليها لكي نبدأ على الأقل رحلة العلاج؟

 

[email protected]»@yahoo.com