رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

المتابع للشأن المصرى فى السنوات الأخيرة لن تخطئ عيناه تلك الآمال الكبرى التى فجرتها التحولات التى نمر بها فيما بعد «30 يونية»، وعزز طموح القيادة السياسية فى تبوؤ مصر مكانة متميزة على الساحة الدولية، تلك الآمال إلى الحد الذى أصبحنا معه لا نستكثر على أنفسنا أن نكون فى مقدمة دول العالم على عدد من الأصعدة, أو بمعنى آخر مركز إقليمى للعالم.

وإذا نظرنا للحالة المصرية «قبل وبعد» بروز هذه الأحلام والطموحات يمكن لنا القول باطمئنان بأنها حالة أقرب إلى حالة التسامى، وهى تحول المادة من الحالة الصلبة إلى الحالة الغازية دون المرور بالحالة السائلة، فمصر التى كانت فى عداد الدول النامية، وربما ما زالت، وهو التوصيف الذي يعتبره البعض لفظا مخففا للتخلف

، تتحول خلال سنوات، إلى الطموح فى لعب عالمى يرتقى إلى الريادة دون المرور بحالة التقدم، وهى حالة – التقدم– من المؤكد أنها تتطلب عقودا وليس سنوات.

هذا التحول على مستوى الطموح، كغيره من أى ظاهرة إنسانية، له مزاياه وله مخاطره كذلك، فمن مزاياه أنه يرفع الهمم ويولد الدافع للعمل والتميز بما يحقق الهدف، غير أن من عيوبه أنه قد يخلق حالة من الإحساس غير الصحيح بامتلاك أدوات الفعل وهو ما قد يفيق معه الإنسان على كابوس، إنها حالة أقرب إلى تعاطى الأفيون على ذات النحو الذى وصف معه ماركس، بالخطأ طبعا من وجهة نظرنا، وضع الدين بأنه أقرب ما يكون لأفيون الشعوب.

مرت هذه الخواطر على ذهنى مع إعلان المهندس عمرو نصار وزير التجارة والصناعة، يوم الجمعة الماضى عن أن الوزارة تستهدف جعل مصر مركزًا إقليميًا وعالميًا للمعارض الدولية وذلك خلال استقباله رئيس هيئة معارض دوسلدوف الألمانية، لبحث ترتيبات استضافة مصر ولأول مرة لمعرض «باك بروسيس» لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا ديسمبر 2019، بالتزامن مع معرض «فوود أفريكا»، المتخصص فى مجال صناعة الأغذية والمنتجات الزراعية.

ربما كان يمكن أن يمر تصريح وزير التجارة مرور الكرام لو أنه كان، كما يقال، نسيج وحده، بمعنى أنه عبر عن فكرة لم ترد سوى فى ذهن الوزير، لاعتبرنا الأمر مجرد جملة أو رؤية عبرت عن حماس أو انفعال زائد يمكن تفهمه.

غير أن متابعة جريدة الأهرام فى اليوم ذاته، من خلال مقال رئيس التحرير علاء ثابت، يشير إلى أن الأمر يتجاوز كونه موقفا فرديا إلى ما اعتبرناه أو وصفناه بحالة، حيث راح ثابت يقدم فى مقاله ما اعتبره خطة مصر للنهوض بافريقيا، وهو ما يأتى على خلفية برنامج العمل المتميز الذى قدمه الرئيس السيسى فى خطابه أمام القمة الافريقية خلال تسلم مصر مهام رئاسة القمة لعام 2019، وهو الأمر الذى تناولته بالتعليق فى مقالى بالوفد يوم الخميس الماضى وأشرت إلى أنه يمثل بلورة لرؤية مصرية لعودة حقيقية لإفريقيا يعزز فكرة دورها الريادى والقيادى فى القارة.

غير أن الواقع يؤكد أنه من الظلم أن نحمّل الرؤية المصرية خلال القمة أكثر مما تحتمل، يمكن القول إن هذه الرؤية تمثل خطوة على طريق الألف ميل لتحقيق هدف نهضة إفريقيا، ذلك الهدف المتعثر على مدى عقود منذ أن استطاعت القارة الانسلاخ من الاستعمار الذى جثم على أنفاسها حتى الستينيات بل والسبعينيات من القرن الماضى. وإذا كانت مصر ذاتها تسير على طريق النهضة، فى ضوء الخطة التى رسمتها لنفسها ويشير الواقع إلى أنها ما زالت على عتبة هذا الطريق، فمن الصعب القول أو القبول بأن هدف نهضة إفريقيا يمكن أن يتحقق على يديها خلال عام هو عام رئاستها للاتحاد الإفريقى.

وربما يكون هدف تحويل مصر إلى مركز إقليمى للطاقة الهدف الذى تم بذل جهد أكبر على طريق تحقيقه، وخاصة أنه واكبه ترتيبات مع دول الجوار ممثلة فى قبرص واليونان والأردن بل وإسرائيل وخاصة فى ضوء اكتشافات الغاز الكبيرة فى مصر سواء من خلال حقل ظهر أو من خلال عمليات التنقيب الجارية فى مواقع عديدة تبشر بثورة فى ثروة مصر من الغاز، فضلا عن اتفاقيات استيراد الغاز لتسييله فى مصر ثم اعادة تصديره، وهو الأمر الذى من المؤكد أنه سيعود بالخير الكبير على اقتصاديات مصر.

ليس هناك مصرى لا يتمنى أن تحتل بلاده مكانتها التى تستحقها، فهي– ليس فى ذلك أى كلام إنشائي– تمتلك من الأدوات ما ييسر لها تلك المهمة، سواء على صعيد الموقع أو المقومات المتعلقة بالمكانة أو الإمكانيات، وقد تمكنت دول فى المنطقة أقل منها بمراحل فى هذه المقومات من احتلال وضع متميز فى الإقتصاد العالمى. ويكفى مثلا هنا الإشارة إلى الإمكانات المصرية الواعدة تلك التى يمثلها استغلال منطقة قناة السويس، غير أن الأمر يتطلب أن نقتصد فى الحديث عن تحول بلادنا إلى مركز إقليمى فى كل شيء حتى لا يفقد التوصيف معناه وتضيع البوصلة منا.. ويصبح الأمر أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع!

[email protected]