رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

قادتنى الظروف بالمصادفة البحتة لمتابعة برنامج «المهمة» على قناة النهار يوم الأربعاء الماضى والذى تقدمه الإعلامية منى عراقى. وبعيدا عن أدائها الأقرب إلى التمثيل والذى قد يراه البعض أسلوبا – أو «ستايل»– مقبولا من حق مقدمة البرنامج أن تسعى لأن يكون لازمة لأدائها، فإن البرنامج كله يكرس لرؤية أبعد ما تكون أو ينتظر من شخصية مثل منى عراقى، وتصب فى شد المجتمع بأكمله إلى الخلف. أقول ذلك رغم تعاطفى مع منى بشأن تجربتها القاسية التى تعرضت خلالها للاغتصاب ما أثر على نظرتها للرجال واعتبارهم ليسوا سوى ذئاب بشرية، وهو ما انعكس على تناولها فى برنامج تم بسببه اتهامها بخدش الحياء.

باختصار ولوضع القراء فى الصورة فإن الحلقة كانت تتناول فكرة الموت وعظاته وكيف أنه يمكن أن يأتى للمرء بغتة وكيف نستعد له، وهى فكرة لا غبار عليها فى حدود معينة، نعتقد أن تجاوزها ربما يرد عليه تحفظات. ليس ذلك هو المهم وإنما المهم وبالأصح «المهمة» وهو اسم البرنامج تركزت على البحث عن شخص توفاه الله وهو ساجد، وفيما يتوجه فريق المهمة لاستقصاء أنباء هذا الرجل، تشاء الظروف أن يسير فى اتجاه آخر، فبعد السؤال عن الرجل المقصود وهو «محسن» الذى بادر بالسجود لدى شعوره بسكرات الموت وهو يلعب كرة القدم، يتصور أهل المنطقة أن فريق منى يسأل عن «عبد العظيم» الذى توفى أيضا وهو ساجد فيما كان يصلى عصر يوم جمعة.

ووسط الناس البسطاء والذين يعيشون ظروفا بالغة صعبة تبدو من المشاهد التى يتم تصويرها، تتحرك منى عراقى، وكأنها نجمة سينما محط الأنظار والاهتمام يساعدها على ذلك تصرفاتها التى تشير إلى أنها «بنت بلد» بحق. فتسأل هذا وتحاور ذاك، تجلس مع سيدة فى محل بقالة بالغ البساطة، وتناقش رجل شارع فى مقهى يعج بالذكور!!.

كل ذلك أيضا ربما يبدو عاديا، لكن ما ليس عاديا بالمرة فى البرنامج هو محاولة منى خلق أسطورة من قصة ذلك الرجل الذى مات وهو ساجد سواء كان محسن أو عبد العظيم بعيدا عن حالة الإرباك التى حاولت هى أن تصيبنا بها بين من هو الذى توفى بالضبط محسن أو عبد العظيم لإضفاء قدر من الغموض والإثارة على البرنامج.

الأكثر مدعاة للدهشة أن الرجل الذى هو عبد العظيم وليس محسن.. رجل عادى جدا.. شهادات الضيوف لا تشير إلى أي حالة «إذمهلال» أو ذهول بشأنه، الكثير لايذكر سوى أنه رجل كان يمر من هنا! إنسان بالغ البساطة، يعيش ويأكل ويشرب ويمشى فى الأسواق رغم كل محاولات منى أن تنتزع من ضيوفها أى لمحة ولو بسيطة تشير إلى أن الرجل «بركة». بالعكس هو رجل من مصر بكل مزايا المصريين وعيوبهم، إنسان علاقته بالناس طيبة، يمضى أغلب وقته فى المقهى ولا يتركها سوى للصلاة، واهتمامه بفكرة العمل بالغة المحدودية، لا يسعى بجدية كافية له ولو هناك عمل لا مانع، وإذا لم يوجد فهو يمضى بقية أيامه بما يكفيه بالكاد مما تحقق فى أيام أخرى. من الآخر هو من النوعية التى يطلق عليها فى مصر «أرزقى.. على باب الله», وهو نمط من الشخصية والتفكير يجب العمل على تجاوزه والحد منه بقدر الإمكان، باعتبار أن هذا النوع من التفكير جانب من جوانب أزمة تخلف مصر وتراجعها.

رغم كل ذلك، وحتى لا تنتهى المهمة دون جدوى فإن منى تصر على إضفاء حالة من القداسة على الرجل وأنه على هذا الأساس ولولا هذه القداسة ما ساقهم الله بالصدفة للحديث عنه رغم أنه لم يكن هو المقصود، فقد كان المقصود محسن وليس عبد العظيم، واعتذر عن هذا التكرار الممل ولكنه تكرار وظيفى لينقل للقارئ حالة مقدمة البرنامج بشأن هذه «اللخبطة» بين الشخصيتين. ومن فرط تأثرها وانفعالها تصورت أن منى فى آخر الحلقة ستدعو لإقامة مقبرة خاصة للرجل وربما بناء مسجد ليصبح «مسجد سيدى الشيخ عبد العظيم».

الرد على منى هو قوله تعالى فى الآية 34 من سورة لقمان : «.. وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت..». فكم من أناس ماتوا وهم ساجدون، دون أن يضفى ذلك عليهم أية خصوصية، وكم ماتوا فى حوادث.. إلخ! صحيح أن المسلم عليه أن يردد الدعاء بأن يحسن الله خاتمته.. لكن حسن الخاتمة لا يضفى عليه «البركة». الغريب أن البرنامج استعان بطبيب نفسى لتفسير الأمر، وحينما بدا أن حديثه ينسف مهمة البرنامج الخرافية بانتقاده لترويج ثقافة الموت، تم إنهاء اللقاء معه بسرعة.

وعلى غير ما ذهب إليه والد منى فى البرنامج– وإذا سألتنى وما علاقته بالبرنامج سأقول لك لا أعرف! فإن المضمون لا يصب بأى حال من الأحوال فى تجديد الخطاب الدينى بل العكس تماما، أنه يصب فى «تجميد» الخطاب الدينى، وتلك مهمة للأسف لا تنتظر بأى حال من الأحوال من إعلام مستنير يفترض به نشر العلم وليس الجهل والخرافات!!

[email protected]