رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

نجح هادى الباجورى مخرج فيلم «الضيف» فى أن يتغلب على عقبة المكان الذى انحصرت فيه أحداث الفيلم، فى منزل المفكر المستنير الدكتور «يحيى التيجانى» وهو منزل يحفل بالبساطة والأناقة والذوق الرفيع، رغم محدودية مساحته، بما يشى بالعقلية الثقافية لمن يقطنون به. والعقبة هنا تعود إلى الخشية من أن يصاب المشاهد بشعور بالملل والرتابة، من محدودية الرؤية البصرية، التى  عادة ما يجرى إثراؤها بتنوع الأماكن التى تلتقطها الصورة السينمائية.

تجلى نجاح المخرج فى اختياره لفريق مميز من الممثلين والفنيين، فضلا عن استناده إلى ذاكرة سينمائية، جعلت من اثنين من أفلام جغرافيا المكان الواحد، علامات فى تاريخ السينما المصرية. أولهما فيلم باب الحديد ليوسف شاهين التى تدور أحداثه على رصيف محطة مصر. أما الثانى فهو فيلم بين السماء والأرض الذى كتبه نجيب محفوظ، وأخرجه صلاح أبو سيف وتدور أحداثه داخل مصعد يتعطل بمجموعة من الناس، نتعرف  على كل واحد منهم خلال مدة الفيلم، وتتغير مصائرهم ونظرتهم إلى أنفسهم، بعد أن باتوا على عتبات الموت، قبل أن يتم إنقاذهم.
وفيما عدا مشهد خارجى، يجلس فيه المفكر يحيى التيجانى على مقهى انتظارا لصدور حكم عليه بتهمة ازدراء الأديان، فإن الممثلين فى فيلم الضيف يتنقلون فى  مساحة محدودة فى منزل المفكر «خالد الصاوى» بين حجرة الطعام وحجرة الجلوس والمطبخ وحجرة المكتبة، وقد ساعد الجهد المميز لمدير التصوير «مازن المتجول» والمونتاج لأحمد حافظ، على تصاعد التوتر فى الحدث الدرامى، بجانب حوار الفيلم وأفكاره التى تزعزع ثبات موريات لا علاقة لها بجوهر الدين الإسلامى.
وأظن أنه فى الحوار الذى دار حول قضية اتهام المفكر بازدراء الأديان، قد جرى الخلط بين قضايا الحسبة التى يتم تحريكها من جماعات التشدد الدينى فى تيار الإسلام السياسى، وبين اتهام الدولة بالمسئولية عن تلك القضية. فالتاريخ القريب يثبت أن الدولة كانت أكثر تقدما فى مثل تلك القضايا من المجتمع، الذى هيمنت على تفكيره وسيرت حياة أفراده، جماعات التشدد الدينى الظلامية.
ولولا بعض المبالغات التى يتسم بها عادة أداء الفنان خالد الصاوى التمثيلى،فقد امتلك باقتدار ناصية دور المفكر التنويرى، وبدا متسلحا بالمعرفة وخفة الظل قادرا على الإقناع، ليس فقط الأستاذ الجامعى الذى أتقن أحمد مالك أداء دوره، وهو يجاهد ليخفى جهله بأصول الدين والخرافات التى تدفعه لممارسة الإرهاب، بحداثة شكلية لا علاقة لها بقسوته الدامية، وبغروره الذى صور له أنه هو المخاطب بأية «قم فانذر» كما صوره لكل من نصبوا أنفسهم أوصياء على الدين،بل أساسا  لإقناع مشاهديه.
وتتأكد موهبة الفنانة شيرين رضا الزوجة المسيحية ميمى دورا بعد آخر. فصوتها الدافئ، وقسمات وجهها الجميل الخالى من المساحيق، ينطويان على قدرات هائلة على التعبير عن مشاعر الدهشة والقلق والخوف، واليأس مما يثقل روحها بمعرفة إصابتها بمرض عضال. أما جميلة عوض، الأبنة فريدة التى لم تكمل دراستها الجامعية بعد، فقد بانت حائرة بين رغبتها فى الارتباط بأستاذها والانتماء إلى أفكاره المحافظة وعقله الطائفى، وبين أفكار والدها الذى وهب علمه لمجابهة تلك الأفكار. وبدت جميلة عوض مؤثرة  وحقيقية مثل طفلة صغيرة تعاند، ككل أبناء جيلها، أهلها رغبة فى والتميز، فهى لا تقرأ كتب والدها، لكنها حين تعرضه لخطر الموت، تحثه بقوة على رفض التنكر لأفكاره فى مقابل إنقاذ حياته. وجاء الاختيار للأدوار الثانوية غاية فى التوفيق، بما شكله دور الحضور الجذاب لماجد الكدوانى «الخال» ومحمد ممدوح «ضابط الحراسة» ومحمود الليثى «عامل المقهى» فى تصاعد الحدث الدرامى، والكشف عن تناقضاته، وتأكيد رسالته الفنية الجسورة المقاتلة، كما هى دائما رسائل إبراهيم عيسى.