الناصية
من العادات الطيبة التى اكتسبتها فى سن كبيرة، واعتدت على مضض عليها مع مرور الوقت هى أن أفتح مع نهاية كل عام دولاب الملابس وأستخرج منه ما لم أرتده طوال السنة.. وأضعه فى كيس دون تفكير وأتبرع به فورا تطبيقاً للقاعدة المعروفة لدى خبراء الموضة وتأثيث المنازل.. ما لم تحتجه طوال عام كامل لن تحتاجه أبداً!
ولأننى من طبقة متوسطة مصرية أصيلة، فإن هذه القاعدة لم تكن موجودة لا فى أسرتى ولا فى ملايين الأسر التى تشبهنا.. فمن الطبيعى أن نظل نرتدى الملابس حتى تبهت ألوانها، أو تضيق أو تتمزق.. إلى أن تصل إلى مرحلة استخدامها كفوطة فى المطبخ أو نمسح بها البلاط.. وهى عادة ليست فقيرة فى السلوك فقط ولكنها فى التفكير أيضاً وتتحول مع الوقت إلى هوس لمجرد التفكير فى التخلى عن ملابس لا تستخدمها خوفاً من أنك لن تجد ما ترتديه وستكون عارياً!
والمشكلة فى حد ذاتها ليست فقط فى عدم القدرة على التخلى عن الملابس التى لا تحتاجها مع بداية كل عام.. ولكن فى عدم القدرة على التخلى عن أية أشياء تحتاجها أو لا تحتاجها، فتمتلكك بدلاً من أن تمتلكها، ومن جهة أخرى تفقدك الشعور بالآخرين واحتياجاتهم التى ربما تكون لديك ولا تستخدمها بينما هم فى أشد الحاجة إليها، وأنت تحتفظ بها خوفاً أن تحتاجها فى يوم من الأيام.. وعادة لا تأتى هذه الأيام أبداً!
وهذه دعوة عامة، ولكنها كذلك خاصة للدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء.. بأن يدعو كل وزارة مع بداية العام الجديد، بفتح دواليب مخازنها، وفرز كل ما تكومه بداخلها.. وداخل الغرف، وتحت السلالم، وكذلك فى كل أركان الهيئات والشركات والمصالح الحكومية.. وتتخلص من كل ما لا تحتاجه ولا تستخدمه، وهناك وزارات وهيئات لديها فقط خردة بالمليارات بدون مبالغة، وهيئة السكة الحديد واحدة منها، والكهرباء، والرى، وكل المصانع.. جميعها تحتاج إلى النفض، وأن تبيع ما لديها من بضائع مكدسة وكل ما لا تحتاج إليه!
والتعود على ذلك سنوياً، على مستوى الفرد، والحكومة، يعلّم الترشيد فى الإنفاق، وتجبرك على خفض نفقات المشتريات فى أشياء لا لزوم لها، وهناك الكثير من الوزارات والمصالح الحكومية، إن لم تكن كلها بدون استثناء، تشترى بملايين الجنيهات فى نهاية السنة المالية أشياء لا تحتاجها فعليا ولكن فقط بغرض التخلص من وفورات الميزانية وما تبقى من أموال منها بدلا من إرجاعها إلى وزارة المالية..!!
عندما نتعلم كيف نشترى الأشياء التى نحتاجها فقط، وليس التى تعجبنا.. ستخلو دواليبنا ومخازننا من أطنان الخردة، وتزيد مواردنا.. والأهم أن نفوسنا وسياساتنا ستخلو من الأنانية والسفه فى الإنفاق!