رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

هذا العنوان ليس من عندى وإنما هو لكتاب للدكتور سعد الدين إبراهيم «الناصرى» بعد أن غيّر اتجاهاته وتحول إلى ما يحلو لصحفى مثل مصطفى بكرى وصفه بـ«سعد الأمريكانى»، الكتاب صدر عن دار «الشروق» عام 1992 وقد تناوله صاحب هذه السطور بالنقد فى حينه، غير أنه بعد أكثر من ربع قرن تكشف الأحداث عن أن الدكتور سعد – بغض النظر عن أى انتقادات توجه له – ربما كان أكثر بصيرة من كثيرين سواء كانوا من بنى جلدتنا أو من يعتبر هو أنه من بنى جلدتهم – الأمريكان.

مناسبة هذا الحديث هى الاحتفال هذه الأيام بمئوية ميلاد السادات والتى تكشف عن تحول 180 درجة فى النظر للرجل بشكل يعكس بحق ما ذهب إليه الدكتور سعد فى عنوانه المشار إليه، فى ضوء حقيقة أن سياسات السادات أثارت من الجدل خلال حياته وبعدها ما لم تثره سياسات زعيم مصرى فى أى مرحلة من تاريخها.

ففى إطار هذه المناسبة جرى الاحتفاء بالسادات بشكل غير مسبوق، وأفردت له المجلات الأسبوعية بدون استثناء صفحاتها كاملة فى أعداد خاصة، فيما خصصت بعض الصحف اليومية بضع صفحات للمناسبة بشكل يمكن معه القول بثقة أنه لم تكد تخلو مجلة أو صحيفة يومية من التطرق للمناسبة والاحتفاء بها بشكل أو بآخر.

فمجلة المصور اعتبرت السادات «زعيم صنع التاريخ»، ومجلة أكتوبر اعتبرت أنه صاحب أعظم قرارين هزا العالم، وأنه زعيم قرأ التاريخ واستشرف المستقبل، ومجلة روزاليوسف راحت تعتبر السادات المنتصر الذى عاش ألف عام، أما آخر ساعة فقد نظرت للأمر بشكل أكثر تمجيداً واعتبرت أنه «زعيم القرن العشرين»، وراح الكاتب عبدالمنعم سعيد يصف الرجل بأنه كان عقلية جبارة وتسلم البلد مكسحة، دون أن يوضح لنا هل تركها على الوضع ذاته.. مكسحة أم ماذا؟.. عارضاً لنا فى ملف أهرام الجمعة ما اعتبره «مدرسة السادات الاستراتيجية»!

وإذا كان الشىء بالشىء يذكر، فإن الأمر يقتضى الإشارة إلى أن ملف جريدة «الوطن» غرد خارج السرب، ومثل نوعاً من المحاكمة للرئيس الراحل، وبدا ذلك من عنوانه: «مائة عام من الجدل»، مستوحياً عنوان رائعة ماركيز «مائة عام من العزلة»، حيث انتقد ديمقراطية السادات التى وصفها الملف بديمقراطية الأنياب وأنه انتقل بمصر من مرحلة التنظيم الواحد إلى التعددية المقيدة.. «وكأنك يا أبوزيد ما غزيت»! فى إشارة إلى عدم وجود تغيير يذكر على صعيد التحول الديمقراطى، فيما اعتبر الملف من خلال مصادره أن انفتاح السادات الذى وصف فى الأدبيات الشعبية بأنه انفتاح السداح مداح.. إصلاح ضل الطريق فانتهى الأمر بانتفاضة الخبز، مشيراً إلى أن سياساته سلمت رقبة مصر إلى أمريكا!

ما يؤخذ على أسلوب الاحتفاء هو أنه يتم وفق مقولة «اذكروا محاسن موتاكم» ولو أن هذا المبدأ يجوز فى التعامل على مستوى الحياة الخاصة فإنه يبدو غير مقبول فى الحياة العامة.

وإذا لم نختلف على أن الرجل كان له الكثير من الإيجابيات والنجاحات فقد لا نختلف فى الوقت ذاته على أنه كان له الكثير من السلبيات والإخفاقات، بتعبير آخر أن السادات بقدر ما كان بطلا للحرب والسلام وفق التوصيف الذى كان يحلو له ولمريديه، فإنه أخطأ كذلك فى الحرب، وتراجع بنا فى السلام، ومؤدى ذلك أن الاحتفاء الحقيقى به يجب أن يكون وفق رؤى موضوعية تتجاوز حالة خلق أساطير حوله قد لا يكون لها أساس من الصحة.

الغريب أن البعض فى معرض تبرير هذا الاحتفاء يشير إلى أننا أولى من أمريكا التى منحته ميدالية الكونجرس الذهبية اعترافاً بإنجازاته وإسهاماته من أجل تحقيق السلام فى الشرق الأوسط، فضلاً عن توقيع الرئيس ترامب قانوناً لتكريمه بهذه المناسبة، ليس من باب التشكيك، ولكن من باب فتح أفق أوسع للتفكير فى هذه الخطوة، الإشارة إلى أن احتفاء الخصم بالطرف الآخر إنما يفرض التساؤل حول ما قدمه هذا الطرف للخصم حيث أن أمريكا – وأعراف السياسة الدولية عموما – لا تكافئ أحداً على تحقيق مبدأ دولى مثل السلام أو غيره إلا إذا كان ذلك يصب فى مصلحة صاحب المكافأة.

ما علينا، المهم أنه فى محاولة تفسير الأمر ربما تتعدد الطروحات غير أن أقربها فى تصورى وفى ضوء نظرة عامة على ما نحياه فى الفترة الحالية هو أن هناك محاولة، بوعى أو بدون وعى، بتخطيط أو بدونه، لتنميط موقف المصريين تجاه قضايا رئيسية فى حياتهم، ليكونوا حسب العبارة الكلاسيكية «كما يقول الكتاب».. على فكر وقلب رجل واحد!، ويعزز ذلك التصور أن الموقف من السادات لم يكن على هذا النحو حيث ساد التباين فى النظر إلى شخصيته وسياسته ومواقفه فى حياته قبل مماته، حتى على مستوى الإعلام الذى قدم صورة ملائكية للرجل.

ما أود الإشارة إليه هو أن المشكلة والخطورة ليست فى الموقف من السادات، فهى قضية ربما تدخل فى عداد التاريخ والماضى، وإنما فى الدلالات والنتائج التى ربما تترتب على محاولات حشد موقف المصريين وراء نظرة محددة له ولغيره من القضايا، وتلك هى – دون تفصيل لا مجال له – الزاوية الأهم التى ينبغى أن تشغل تفكيرنا.. والله أعلم!

[email protected]