رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

 

 

نحن نعيش فى عالم يغلب عليه سلسلة متواصلة من الحروب، ذات الأشكال المختلفة، ولكن جميعها تؤكد أن (الحرب طغيان)؛ والناس فيها مجرد تروس فى آلة الحرب المعبأة للدفاع عن الأرض والقيم والهويات الجماعية ضد العدوان. ورغم عدم الرغبة فى الحرب فإن المعتدى عليه يضطر إلى تبنى سلوك المعتدى حتى يعيش، وهذا أهم ما يشير إليه المؤلف كولن فلنت فى كتابه «جغرافية الحرب والسلام». والحقيقة الثابتة من تلك التجارب أن البقاء على الجهل بالحرب لا يفيد إلا دعاة الحرب. وبالطبع أن الجغرافيا والحرب ناتجتان عن النشاط البشري، فالحرب تشكل جغرافيات الحدود والدول والإمبراطوريات، وجغرافية الحرب تتسم بالسيولة والتقلب مثل تدفق الحموم البركانية؛ فدولة مثل كولومبيا، مثيرى الشغب يغلقون فيها مداخل الشوارع بالمتاريس لمنع وصول الشرطة وإنشاء مناطق تسيطر عليها العصابات والمجرمون؛ وبالتالى الحرب سواء كانت بين الدول أو حرب عصابات عملية سياسية تهدف إلى السيطرة على منطقة مهمة، بما يمكن من استعراض للقوة؛ فقد كان الهدف الإقليمى للهجمات الإرهابية الحديثة التى شنها تنظيم القاعدة ضد الولايات المتحدة الأمريكية يتمثل فى إزالة الوجود العسكرى الأمريكى من شبه الجزيرة العربية.

وعلى الجانب الآخر استغلت الولايات المتحدة الأمريكية مناطق الصراعات الأهلية فى إرسال قوات عسكرية للهيمنة على المناطق الغنية. وعلى مدار التاريخ نشبت الحرب بسبب التنافس على الموارد؛ إلى جانب المياه والملاحة الدولية والصراع على المياه كمورد هام للحياة هى من أسباب الحروب. فالاهتمام بالسيطرة على المياه يمثل جزءًا من صراعات أخرى عنيفة لأن المياه تمثل مصدر الصراع ومورداً يحقق السلام داخل وعبر حدود الدول. كما تكون المزاعم ذات السند التاريخى بالأحقية فى أوطان قومية وفكرة القومية ومكان جغرافى يجمع القوميات سبباً فى الحروب (كالقومية الكردية)، حيث أعطى تكوين الدول القومية للنزاعات الحدودية إطاراً سياسياً قانونياً لتلك الحروب، ويعتبر تكوين الجغرافيات عن طريق الحرب مكوناً أساسياً لها، والقومية تعد أعظم تغير فى حالة الحرب فى تاريخ الإنسانية. ومن لحظة بداية ربط الشعوب أنفسها برؤى ومصالح الدول، أصبحت الحروب مدمرة للغاية، بل ويمكن أن تهدف إلى فناء الآخر.

ويدل هذا النموذج أيضاً على قواعد جديدة للعبة، بما يحوّل الاهتمام من الهوية القومية البحتة إلى التبرير الأيدولوجى من خلال الليبرالية الفاشية أو الشيوعية. وأدى الميثاق العالمى المتغير إلى إدخال أبعاد عسكرية جديدة فى شكل التدخل الأجنبى وسوء الفهم الاستراتيجي، وساعدت القومية على التغلب على بعض أصعب مشاكل الدعم اللوجستى للحرب، ولكنها أطلقت العنان أيضا لاستراتيجيات إقليمية تزعزع الحل المستقر فى الأجل الطويل. وهناك الأبعاد الجغرافية للحروب الدينية والتى تعرف بالصراعات السياسية العنيفة والتى تتحدد معانيها ودوافعها وأهدافها لدى المتحاربين من خلال مصطلحات دينية صريحة.. وكثيرا ما تستخدم الولايات المتحدة الجغرافية السياسية للإرهاب لصالحها؛ وجزء من استراتيجية (حروب إسرائيل) يتمثل فى تسويقها على أنها مبررة أخلاقياً تحت سمع وبصر تغطية وسائل الإعلام العالمية والتعليقات الدبلوماسية والرأى العام، وذلك لتصوير الحرب على أنها عادلة حتى يمكن تبريرها.

 وبالطبع خرائط العالم السياسية الراهنة والآخذة فى التشكّل مستقبلاً لا تتحدد فقط بالوحدات السياسية الإقليمية أو الأقاليم الطبيعية الحيوية، إذ إن شبكات المهاجرين وتجارة السلاح وتهريب المخدرات والإرهابيين وقوات الأمن هى عوامل جديدة تحدد مواقع وممارسات الحرب بصورة متزايدة. فالخريطة السياسية للعالم هى نتاج التفاعل بين الوحدات السياسية الإقليمية والشبكات القانونية وغير القانونية. وبالتالى، فإن ما يتعلق بالحرب من أسباب ووسائل وطريقة إدارة تتوقف جميعها على التفاعل بين هذه الأقاليم وتلك الشبكات. وأخيرا.. الحرب هى اللغة الوحيدة التى تعرفها الإمبريالية وإن اختلفت أسبابها وأشكالها.