رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

لم يدهشنى الاهتمام  الشعبى الواسع  المدى بتتبع الحالة الصحية للفنانة شادية، متعها الله بالصحة والعافية ولا القلق الذى انتاب عشاق فنها. فقد درج المصريون على التعبير عن مشاعر فياضة من المحبة الغامرة نحو كل من ساهم فى إدخال لحظة سعادة على قلوبهم، وغمر روحهم بالبهجة والصفاء  ولون حياتهم بدفقات  لا تنسى من الفرح والمرح  والتفاؤل.

وعلى امتداد نحو أربعين عاما، شكلت شادية بخفة  دمها وروحها وحضورها الأخاذ، ووجهها الطفولى، وصوتها العذب الرقيق  الذى يحفل بطلاوة وحنان  وحساسية مميزة تخرج الكلمات من القلب لا الحنجرة، صورة  فتاة أحلام اجيال متعاقبة من الشباب وحتى الشابات اللاتى اتخذن منها نموذجا للمرأة الرقيقة الجذابة  التى تبعث طلتها وأغنياتها فيضا من السكينة والألفة والجمال.

وعبر أكثر من 110 أفلام ملأت شادية شاشات السينما غناء وتمثيلا  متنقلة بين أدوار شتى  تنوعت بتعدد المدارس الفنية التى انتمى إليها كبار المخرجين الذين تعاملت معهم وبينهم حلمى رفلة  وهنرى بركات وعزالدين ذو الفقار وحسن الإمام  ومحمود ذو الفقار ويوسف شاهين وصلاح أبوسيف وكمال الشيخ وحسام الدين مصطفى وحسين كمال  وغيرهم. وخلال هذه الرحلة الثرية  التى انطوت ايضا على 10 مسلسلات إذاعية، ومسرحية واحدة، تمردت شادية على الأدوار النمطية التى حصرتها فى دور الفتاة الدلوعة والزوجة الغيورة. ولأنها تثق فى ذوق جمهورها  وتوقه للاستمتاع بالفن الراقى والرفيع، ولرغبتها فى إثبات قدراتها  الفائقة فى التمثيل كما فى الغناء،  فسرعان ما ظهرت  أمًّا ملتاعة يطاردها ماضيها القاسى فى فيلم المرأة المجهولة، وذهبت بوعى وذكاء فنى إلى الأفلام المأخوذة عن روايات نجيب محفوظ، فكانت "نور" فتاة الليل فى فيلم اللص والكلاب  التى أحبت بصدق سعيد مهران الهارب من وجه العدالة، سعيا للثأر من ظالميه، وأضفت عليه حمايتها ورعايتها لمحاولة منعه من المضى قدما فى الطريق المفضى لنهايته المحتومة. وكانت "حميدة" الثائرة على فقرها فى زقاق المدق، كما كانت "كريمة"  فى فيلم الطريق، الفاتنة التى تزوجت لحاجتها من صاحب فندق عجوز، وتمكنت من إغواء نزيل الفندق  صابر الرحيمى أثناء رحلته القلقة للبحث عن أبيه المجهول، ودفعه لقتل زوجها. وكانت هى "زهرة" الصبية الجميلة التى يتنازع عليها نزلاء بنسيون «ميرامار».

احترمت شادية جمهورها الذى عشقها وشدا معها فى الأفراح الشخصية والوطنية "يا دبلة الخطوبة" و"يا حبيبتى يا مصر"، ولم تلجأ أبدا لتأكيد مكانتها سوى بأعمالها الفنية. وفى منتصف السبعينيات، روت شادية جانبا من ذكرياتها للناقدة الفنية إيريس نظمى فى مجلة آخر ساعة، وذكرت فيها أنها أحبت فريد الأطرش وحين حالت ظروف بينهما للزواج أنهت علاقتها به. وفى برنامجه المميز «ذكرياتى» للفنان والإعلامى «سمير صبرى» على موجات إذاعة الأغانى، روى  الكاتب الصحفى عباس الطرابيلى أن مصطفى أمين تزوج من شادية لحمايتها من ملاحقة أجهزة أمنية سعت للضغط عليها لكى تتعامل معها، لكنها لم تقبل بتلك الضغوط، وهما واقعتان تكشفان صلابتها الشخصية، وقدرتها على وضع ضوابط وحدود لما تريد ولا تريد.

وكما دخلت شادية حياتنا بفنها الناعم الصبوح المتحرر من التكلف والتصنع، والرائق كمياه الينبوع، انسحبت من الحياة الفنية بهدء ودون ضجيج، بعد النجاح الباهر لعملها المسرحى الوحيد «ريا وسكينة» فى عام 1984. لم تُرِد أن تجعل من الاعتزال قصة ورواية، ولم تستخدم ارتداء الحجاب كسلعة للبيع والشراء، ولم تتنصل من تاريخها الفنى الذى بات جزءا من تاريخ الفن المصرى، ولم تقبل بالضغوط التى مورست عليها للترويج لسلعة بائرة تحرّم الفنون وتكفرها  وتجرمها، وتذهب بمحبيها وعشاقها إلى ساحات المحاكم.

وبالقدر الذى لم يعد  له حدود من السعادة والبهجة والأنس الذى أضاء به فن شادية الفريد حياتنا، أدعو مع ملايين من محبيها، أن يمن الله عليها بالصحة والعافية، اللهم آمين.