رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

إشراقات:

 هذا المشهد حدث أمام عينى، من نحو عشرين عامًا أو يزيد، ولكنه سيظل بذاكرتى مدى الحياه، ربما لبشاعته أو لغرابته، وربما لمدلولاته ومعانيه الخطيرة، فما هو هذا؟!

كنا ننتظر المينى باص الذى يقلنا، من ميدان التحرير إلى مدينة نصر، وكانت الساعة قد تجاوزت الثانية والنصف بقليل، وكان الزحام خانقًا، لما لا وهذا هو موعد خروج الموظفين والعمال من أشغالهم، المهم ظللنا منتظرين وقتًا طويلاً.. وكلنا فى لهفة انتظارًا للمينى باص الموعود!!

المهم ظهر المينى باص - بعد طول انتظار - وهنا استعد الجميع.. لخوض غمار المعركة الكبرى، وأقصد به الصراع على الفوز بمقعد فى المينى باص للجلوس عليه، أو حتى الفوز بوقفة مريحة فيه!!

المهم بمجرد دخول المينى باص، جرينا نحوه فرادى وجماعات، وكلنا فى سباق رهيب، وهنا فوجئت بسيدة عجوز، ربما تخطت الستين من عمرها، فوجئت بها تسقط تحت أقدام المتصارعين، لتدوسها الأقدام بلا أى رحمة أو شفقة.

المهم المشهد شل تفكيرى، وقيد حركتى.. وتركت التسابق على ركوب المينى باص، واتجهت للسيدة العجوز، أزود عنها الأقدام الغليظة والأحذية الثقيلة، وبصعوبة وتوفيق من الله، نجحت فى حمايتها، من المزيد من دهس الأقدام، وهى تتألم وتتوجع من دهس الأقدام!

المهم أننى نظرت للسيدة الممددة على الأرض.. وكانت ترتدى عباية سوداء، ككل أهالى المناطق الشعبية، وهنا فوجئت بأكثر من عشرين بصمة حذاء، موجودة على العباية السوداء للسيدة، بما يعنى أن السيدة عندما سقطت على الأرض.. داستها أقدام أكثر من عشرة أشخاص، دون أى رحمة، أو أى وازع من دين أو ضمير!

هذا المشهد المؤلم الفظيع، مازال عالقًا فى ذهنى، رغم مرور أكثر من عشرين سنة مضت.

لأنه مشهد كاشف عن «أخلاق الزحام»، بكل ما تعنيه من قسوة وغلظة وألم.. فلا مجال لظهور الإنسانية، فى ظل الزحام وأخلاقه!

فلو كانت هناك وسيلة مواصلات آدمية.. تتيح لكل راكب الجلوس فى مقعده بكل نظام واحترام، لما اضطررنا للتسابق والصراع، على المينى باص.. ولما سقطت السيدة العجوز على الأرض.. لتدوسها الأحذية الثقيلة!!

لذلك نتساءل كثيرًا عن اختفاء الأخلاق، واختفاء المروءة والشهامة بين المصريين، ونحن لا ندرى أنها نتيجة طبيعية لأخلاق الزحام، الذى نعيش فى ظله فى العمل والشارع ووسائل المواصلات!!