عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

لأن الثقة فى معايير قياس الجدارة والاستحقاق فى المجال العام باتت مهتزة، بل الأرجح منعدمة، فما زلت وكثيرون غيرى يعتقدون أن قرار الدكتور جابر نصار بعدم إعادة ترشحه لدورة أخرى فى رئاسة جامعة القاهرة رغم أهليته وكفاءته، لم يكن اختياراً حراً. وبجانب ضغوط وانحيازات سفيهة لم يكشف عنها بعد، فالأغلب أنه قرار محارب أنهكه الخوض وحيداً فى معارك تؤسس لواقع أكاديمى جديد داخل جامعة القاهرة يرتقى بمستواها العلمى، فيدفع بها إلى مصاف واحدة من بين أفضل خمسمائة جامعة فى التصنيفات الدولية، ويحولها خلال السنوات الأربع التى تولى رئاستها، من مجرد مؤسسة تعليمية تحظى بالتفوق والاحترام، إلى مجتمع علمى وثقافى وفنى وجمالى، يعيد إليها أيام مجدها وبهائها. فقد بقيت الجامعة لعقود طويلة رهينة لسلطة أصوليين، أشاعوا فى ربوعها مناخاً من التعصب والتطرف والجهل، ومبالغات التدين الشكلى فى ظل تواطؤ رسمى، أراح نفسه من القيام بواجباته المهنية، لمنع هؤلاء من بسط نفوذهم على سلطة الدولة.

لم يقبل دكتور جابر نصار، بما صمت عليه غيره. وبالسلطة التى منحها له القانون، تصدى لوقائع فساد أكاديمى سمح بالمخالفة للقانون بتضارب فى المصالح والجمع بين وظفتين، وحين اتخذ قرار بوقف تلك التجاوزات، وفصل من يقومون بها، قامت الدنيا ولم تقعد، ولم يسلم من تجريح وأكاذيب ومغالطات وادعاءات من أُضيرت مصالحهم من رؤيته الإصلاحية الجريئة والجسورة. وحين منع الزوايا التى أقامها المتطرفون للصلاة فى ساحات الجامعة وممراتها، وأقام بدلاً منها مسجدين للرجال والنساء، وحين حظر التدريس بالنقاب فى المحاضرات الجامعية، وألغى خانة الديانة من أوراق الطلاب الرسمية داخل الجامعة تطبيقاً لمبدأ المواطنة الذى يصونه الدستور، وترسيخاً لقواعد العيش المشترك، انطلق هؤلاء لتحريض مجلس النواب والمجتمع على قراراته بزعم الدفاع عما يسمونه هوية مصر الإسلامية. ولم يخجل كل هؤلاء من استخدام أساليب تتسم بالتدنى والفحش فى التعبير عن معارضتهم لقراراته التى نفذت بصدق وإيمان توجهات عامة للدولة فى محاربة التطرف الدينى وكل أشكال التعدى على القانون. ولم يتوقف هؤلاء أمام مساءلة دكتور نصار عن راتبه بل شككوا فى ديانته، وتجاوزوا ذلك لاتهامه بالكفر والتعصب العلمانى والرغبة فى الشهرة وإثارة المشاكل، ولأن من هم مثله من أصحاب الرسالة لا يتوقفون أمام الصغائر وخلط الأوراق، فقد واصل دكتور نصار دوره فى إعادة جامعة القاهرة كما كانت عليه، ساحة لنشر العلم والمعرفة وتذوق كل الفنون ومحبتها، مع رفع المخصصات لبناء القدرات الأكاديمية والتعليمية، والتصدى الواعى لأوجه الخلل المختلفة، بما وفر للجامعة ميزانيات الاعتماد على النفس فى مؤسساتها التعليمية والخدمية.

وكان الظن أن يحذو رؤساء الجامعات الأخرى حذوه، لكن المفاجأة أن عدداً منهم تطوع للإعلان فى الفضاء الإعلامى والصحفى عن معارضته لتلك الإجراءات ورفضه لتطبيقها فى جامعته، فى معابثة صريحة لقوى التطرف والتخلف فى دهاليز المؤسسات الرسمية وفى المجتمع.

فى نهاية يونيو الجارى، يغادر دكتور جابر نصار موقعه كرئيس لجامعة القاهرة، ليعود إلى وظيفته استاذاً للقانون العام والدستورى فى كلية الحقوق، وعلى القوى التى ساندت خطواته ودعمتها سواء فى المؤسسات الأكاديمية أو فى خارجها أن تتضافر فى جهد مشترك لتكريمه، والاحتفاء بالمعانى التى أرساها، بالتصدى بتجرد وشجاعة وإنصاف للدفاع عن المكتسبات المدنية الحديثة للوسط الجامعى والأكاديمى، ومواجهة الرهان الأصولى التكفيرى على التغلغل داخل مفاصله. ولعل إقدام إحدى تلك المؤسسات على ترشيحه لنيل جائزة النيل، التى تمنحها الدولة لرموز الوطن فى مجالات الإنجاز المختلفة، أن تكون خطوة مستحقة على طريق تكريمه وشكره.