رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

برغم أنه أمضى نحو خمسة عشر عاما فى السجون الملكية والجمهورية، داخل مصر وخارجها دفاعا عن التحرر الوطنى والاستقلال والحرية والعدل الاجتماعى، فلم يكن الدكتور شريف حتاتة يحمل أى نوع من الضغائن نحو من قيدوا حريته، وحجبوا عنه الحياة، وهو طبيب واعد ووسيم فى ريعان الشباب، ينتمى إلى أسرة ارستقراطية وفرت له حياة موسرة مستقرة، لكنه تمرد عليها وعلى تقاليدها، لأنه ببساطة لم يكن يستطيع أن يشعر بالسعادة فى محيط من البؤس والشقاء.

عرفت الدكتور شريف حتاتة زميلا فى حزب التجمع منذ انشائه رجلا باشًّا بسيطا ومتواضعا، وتوثقت علاقتى به أثناء حملة سبتمبر عام 1981 التى أودع فيها الرئيس السادات أكثر من ألف من معارضيه اليساريين والوفديين والمستقلين والإسلاميين السجون، حين كان علينا أن نذهب معًا أسبوعيا إلى سجن النساء، هو لزيارة الدكتورة نوال السعداوى، وأنا لزيارة شقيقتى فريدة وزميلاتى فى الحزب، وغيرهن ممن جمعتهن حملة التحفظ، كانت الرحلة من قلب المدينة إلى السجن تستغرق أكثر من ساعة، يقود هو سيارته الحمراء الصغيرة بتمهل وحذر، وما أن تبدأ الرحلة حتى تنطلق الحكايات.

وعلى طريقة تيار الوعى، حيث تنساب المشاعر والأحاديث والأفكار بتدفق، تقود بعضها إلى بعض بسلاسة، يبدأ الدكتور شريف حكايات الرحلة إلى سجن القناطر والعودة منها، فيتكلم لتبرز واحدة من صفاته الشخصية الآسرة، وهى التكلم بهدؤ يصل إلى حد الهمس، ويروى عن أمه الإنجليزية التى تزوجها والده اثناء دراسته للاقتصاد فى بريطانيا، فيصفها بأنها كانت امرأة قوية كتومة لا تفصح عن مشاعرها بسهولة، رفضت ان تزوره فى السجن خوفا من ألم رؤيته معتقلا، بينما رتب والده لتهريبه من السجن، ثم إلى فرنسا التى دخلها متخفيا، ومصر ملكية، فتم ايداعه السجن لدخوله بغير الطرق الشرعية، وعاد منها متخفيا بجواز سفر يحمل اسم المخرج عبدالقادر التلمسانى، وقد أصبحت مصر جمهورية. لم يكن الدكتور شريف يتحدث باللغة العربية حتى وصل إلى سن الخامسة، لكن إصرار والده هو ما حفزه على التغلب على تلك العقبة لتصبح العربية هى اللغة التى يتقنها بجانب الانجليزية والفرنسية. تعلم شريف حتاتة السياسة من الكتب التى كانت تزخر بها مكتبات الجامعة، ومن المناقشات الحرة التى كانت تدور بين الطلبة وأساتذة الجامعات، فانضوى فى صفوف المنظمات اليسارية مناضلًا يبحث عن تحقيق حلمه بتوفير الخبز والحرية للجميع، وحين ترك مهنة الطب ليتفرغ لكتابة الأدب حمل معه الحلم نفسه ونثره فى ثنايا مشروعه الإبداعى برصد شجاع للمصاعب والتحديات التى تعوق تنفيذه، مع بعث روح الحماس والأفكار البناءة التى تحث على مواصلة السير على الطريق مهما كانت وعرة، للدفع بتلك الأحلام إلى أرض الواقع.

غمر الدكتور شريف شعور دائم بالغبن من تجاهل الواقع الثقافى لإنجازه الأدبى الغزير، وعجز الواقع السياسى عن الاستفادة من تاريخه النضالى المفعم  بالتجارب الخصبة والتضحيات والخيبات، وكان محقا فى ذلك، إذا ما قارنا هذا المنجز بالظواهر الأدبية والسياسية التى تظهر وتختفى كفقاعات الصابون، ومع ذلك تبقى رغم ضعفها بفعل ظاهرة الشللية التى باتت تتحكم فى إدارة شئون الحياة، محاطة بالأضواء الإعلامية من كل اتجاه. لكن ذلك لم يمنعه من مواصلة الكتابة متحديا التهميش والتجاهل، ومراهنا على وعى القارئ المستقل المتجرد من الأهواء، لتلمس مواطن الجمال والتميز فى أعماله الأدبية، التى تنطوى على شهادة على العصر الذى عاش فيه، وعن المجتمع الذى انغمس فى مشاكله حتى الرمق الأخير، مبشرا بأجمل الأيام التى ستأتى، بمقدار ما نبذله من جهود جماعية، وبمستقبل  نتمسك ببنائه بالعلم والعمل والثقافة والديمقراطية.