رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

مشهد مؤلم، باعث على الحزن والأسى وجالب للحسرة و البكاء.. فى هذا المشهد المعبر يطل الكاتب العروبى التقدمى «طلال سلمان» على قراءة للمرة الأخيرة، فى شريط فيديو قصير صامت، وهو يجلس خلف مكتب، تتصدر واجهته لافتة تحمل الآية القرآنية «الذى علم بالقلم» وفى الخلفية صوت صفارة إنذار بغارة مقبلة، يهم فى أعقابها بمغادرة مكتبه، فيأخذ فى إطفاء أنواره مصباحاً تلو آخر، حتى يخيم الظلام، إيذاناً بإغلاق جريدة السفير اللبنانية التى أسسها ورأس تحريرها على امتداد 43 عاماً، وصوت المغنى يشدو برائعة سيد درويش «أهو دا اللى صار وأدى إللى كان، مالكش حق تلوم عليا»، فى الوقت الذى تكبر فيه وتتصدر مساحة الظلام خلفها، صورة الحمامة البهية الجميلة برتقالية اللون، التى رسمها الفنان حلمى التونى، استلهاماً من لون برتقال يافا الفلسطينى، لتكون أيقونة تفسر اسم الصحيفة وتشير إلى شعارها: صوت الذين لا صوت لهم، وجريدة لبنان فى الوطن العربى، وجريدة الوطن العربى فى لبنان.

على امتداد أكثر من أربعة عقود، ترجمت صحيفة السفير بقيادة ربانها طلال سلمان شعارها السابق، حين احتضنت أجيالاً متنوعة من مختلف الاتجاهات الفكرية والتيارات السياسية والحزبية من الكتاب والصحفيين والمفكرين والأدباء والفنانين من أنحاء الوطن العربى، فتأثرت بمواهبهم وأثرت فيهم، لتتشكل فى النهاية مدرسة السفير الصحفية التى صار ولاؤها الأول والأخير للقارئ، الذى كان طلال سلمان يطلق عليه رب العمل الصحفى الأول. وتمثلت ملامح تلك المدرسة فيما ذكره رئيس تحريرها فى افتتاحية أحد أعدادها بقوله: «إن نجاح السفير، قد مكّن فى نفوسنا الإيمان بالقيم والمفاهيم التى دفعتنا لإصدارها، وأثبتت بالدليل الملموس أن زمان صحافة الإثارة الرخيصة والصراعات، وسياسة اللاموقف على وشك الانطواء، بعدما لعبت تلك الصحافة دوراً مدمراً فى إفساد الذوق العام، كما فى ضرب ثقة الإنسان العربى بنفسه وبتاريخه ناهيك عن حاضره ومستقبله». وبهذا المفهوم نجحت السفير منذ عددها الأول فى تحقيق حلمها أن تصبح منبراً مقاتلاً للدفاع عن الوطنية والعروبة والكفاءة المهنية، وحددت معسكر أعدائها فى مزورى الحقائق ومزيفى الوعى و أصحاب «الاحتراف المهنى الارتزاقى» وناهبى ثروات الأوطان ومشيعى التعصب الطائفى والقبلى، فضلاً عن الاستعمار الصهيونى والإمبرالية الأمريكية.

حين وضعت «السفير» تلك الأهداف ميثاقاً لعملها منذ صدور عددها الأول فى أواخر مارس عام 1974، كانت تظن أن دساتير دول المنطقة، التى تحفل بنصوص تؤكد حرية الصحافة والإعلام وحرية تداول المعلومات، سوف تكون ضمانة لكى تمارس دورها فى الدعوة للتغير والنهوض ببلدها وبأمتها، لكن المعارك التى خاضتها على امتداد تلك العقود لمواصلة الصدور بغير التنازل عن أهدافها، ودون الخضوع للضغوط الإملاءات والإغراءات التى طالما حاصرتها، أثبتت لها بما لا يدع مجالاً لأى شك، أن العرب ليسوا من البلاد التى تكتب الدساتير كى تطبقها، بل لتتفاخر بها فى المحافل الدولية درءاً لضغوطها!

هل يمكن أن يصدق أحد أن السفير تطفئ أنوارها، لأنها لم تعد قادرة على منافسة الإعلام الرقمى على شبكة النت وأجهزة المحمول الذكية؟ وهل بوسع الصدور أن تتحمل أعباء تجاهل الثراء الاستهلاكى السفيه داخل لبنان وخارجه لإغلاق منبر مضيء يشكل ذاكرة وتاريخاً للمنطقة مثل «السفير» بسبب صعوبات مالية؟ وإذا كانت أحلام السفير بوحدة الأمة ونهضتها قد باتت عزيزة المنال، بعد أن ساد التفتت المنطقة، وغدت تنهشها الأطماع الخارجية والحروب الداخلية، وتتعدد نكباتها فى العراق وسوريا واليمن وليبيا وحتى لبنان، فهل يصلح هذا مبرراً لاختفائها، أم أنه بات ضرورة لاستمرارها؟

هذه أسئلة لا ينتظر أحد اجابة عنها، والسبب الوحيد لإغلاق السفير حدده الزعيم سعد زغلول فى الثلث الأول من القرن الماضى حين قال: ليس من حقنا أن نسأل الصحافة لماذا تنتقدنا، بل من واجبنا أن نسأل أنفسنا لماذا نفعل ما تنتقدنا من أجله.

ولأن ذلك لم يحدث، ولأن بلداننا آل حكمها للطوائف والعائلات وغير الأكفاء، لهذا تغلق السفير أبوابها!