رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

لا شك أن مؤتمر الشباب خطوة على الطريق وأمامنا ألف خطوة، وهو يختلف عن كل المؤتمرات وكل الاحتفالات السابقة لأن البطل الحقيقي فيه كان الحوار.. والفائز الأكبر كانت المعارضة التي خدمت الدولة خدمة كبرى من خلال تقديم جانب من صورة حقيقية لما في ذهن الشباب والشيوخ.. والأقوى من ذلك أن معظم المواطنين شدهم الحدث ليتابعوا المؤتمر أمام التليفزيون لعلهم يسمعون جديدا وأن يساهم المؤتمر في إزالة الغيوم التي ملأت عقولهم.. والجديد والمؤثر أن وجود الرأي المعارض قد أثرى المؤتمر بتكامل الرؤية عن الرأي والرأي الآخر.. وقد شعرت بالفخر بالشباب من المؤيدين والمعارضين عندما عرضوا آراءهم في حل المشاكل وقد كان المؤتمر حلبة لإبراز تفوق بعض الشباب في عرض مقترحات جادة للإصلاح السياسي أو الاقتصادي، وأعتقد أن هؤلاء قد انتزعوا رضاء الجميع بصورة تفوق هؤلاء الذين ركزوا على انتزاع رضا الدولة ففقدوا مصداقيتهم داخل القاعة.. لكن الكلمة التي تهز المشاعر هي الكلمة التي ينتظرها الجماهير حتى وإن لم تسنح لها فرصة المشاركة فيها.. الكلمة التي تفتح عقول الملايين التي تجلس أمام شاشات التلفزيون يتابعون بكل حواسهم النقاش بين الشباب والمسئولين والتي أشعرتهم بأنهم مشاركون بالقول الصادق..

الظاهر أن التغيير قادم والدولة بدأت تتحسس طريقها الى العمل السياسي.. وهذا السكون الداخلي للجماهير هو علامة الترقب بالأمل بأن يكون ذلك نقلة من ذلك السكون السياسي الموحش الذي أخفى قيمة الحوار وأكثر القيل والقال وحرم الدولة من مؤازرة الكثيرين المحبطين..

الدولة ربما لم تتحرك سابقا لأنها مثقلة بالقيود المتراكمة والمشاكل المتزايدة.. صحيح أن الدولة لم تكن ولن تكون قادرة على حل هذه المشاكل ولكن المعضلة والجزء الأكبر منها كانت عدم الاستماع.. الدولة تعيش في عالم التقارير لنقل الحالة العامة وهو عالم لم يتغير منذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر.. هذه التقارير ليست أصوات الشعب ولا تحل محله بل وليست قادرة على أن تكون قنوات اتصال.. هذه التقارير أخفقت في أن تنشر الممارسات الديموقراطية وأقامت الحواجز النفسية التي سلبت الدولة الكثير من إيجابيات المشاركة.. ومن هنا لا يوجد علاج سوى شيء واحد.. وهو علاج وليس مسكنا.. الحوار والمشاورة واتخاذ القرار.. والحوار يختلف عن عرض الرأي.. الحوار هو المواجهة باحترام وموضوعية.. والاستجابة لنتائج هذا الحوار هو قمة ما يريد الشعب بأكمله أن يسمعه ويلمسه.. وأكبر إضافة لقدرات المسئول هي القدرة على اتخاذ القرار دون تأخير أو أعذار.. هذا هو الفارس الذي تنتظره الجماهير، ولذلك فإن الحوار ونتائجه هو جزء من العمل السياسي المتقن الذي يجب أن يكون له خاتمة واضحة.. هي الاستجابة للجماهير.. صحيح أن المشاعر قد تلتهب بخطبة أو قصيدة أو أنشودة ولكن ذلك سرعان ما يُنسي الأمر بعد وقت قصير.. أما الحوار والفعل ورد الفعل فهو يعلق بالذهن ويجعل الجماهير متابعا جيدا ومشاركا قديرا.. ومن هنا كان العمل السياسي قوة تدفع بالدولة للأمام إذا ما أتقن وللخلف إذا ما أهمل.. وإدارة العمل السياسي ليست من خلال قوانين أو شعارات ولكن من خلق قوى دافعة للجماهير فتتحمل العبء وتلهث مع القيادات تماما كالسيارة عندما تدور، فإذا لم تكن مزودة بالطاقة الدافعة من الوقود فلن تتحرك.. وطاقة العمل السياسي هي القوة الدافعة للعمل والتقدم والتنمية.. قد تختلف من مجتمع لآخر ومن القرى للمدن ولكن القدرة الحقيقية للقيادات السياسية تتوهج وهي تقرن أهدافها بأهداف القرية والمدينة والشباب والأطفال والكهول..

منذ أسبوعين تقريبا كتبت في مقال سابق لي كيف أن تجاهل نبض الجماهير هو أسوأ عدو للحكومات.. وأن الاغلبية كادت أن تفقد الثقة في أن الحكومة لديها حس

سياسي يتفاعل مع الجماهير فيستمع لمطالبها ومتطلباتها ويترجم ذلك في صورة إنجازات وإجراءات فورية تتخذ وإنجازات تمس الحياة اليومية للمواطن وتأتي قبل إنجازها للمشروعات متوسطة وطويلة الأجل.. المواطن وظروفه المعيشية وسبل التخفيف عنه يجب أن يكون هَمّ الحكومة الكبير ومشروع الدولة الأول.. وتحدثت عن الشباب وأنه لا يريد الحوار من خلال برامج التليفزيون أو التصريحات أو الوعود.. الشباب يريد حوارا مباشرا ليقول رأيه ويبدي ملاحظاته.. وكيف أن العملة النادرة في القيادات هي القادرة على تفهم مشاعر وقدرات الشباب، ولديها أيضا القدرة على التأثير والاقناع وليس الإملاء.. وهنا يجب أن أتحدث عن هذه الانطلاقة التي بدأت في شرم الشيخ ولا يمكن التقليل من شأنها فهي خطوة جيدة قفزت بنا الي مجال واعد.. وحتى لا نفقد العزم لهذا الانطلاق فإننا في أشد الاحتياج الى خطوات أخرى وبإيقاع سريع.. إن تجربة شرم الشيخ أظهرت أن الملعب السياسي الكبير الذي بدا خاليا لفترة صار مليئا بالحركة.. وأكثر من الحركة هي الآمال التي بدت ونمت مع مجريات المؤتمر.. صحيح أن المؤتمر كان موجها للشباب ولكن على القيادة السياسية أن تدرك أن هذه العينة من الشباب هم صفوة من الشباب تم اختيارهم وإعدادهم بعناية لمشاركاتهم بالمؤتمر.. سواء كانوا من المعارضة أو من المؤيدين.. والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا عن الباقين من شباب مصر.. هل عندنا المساحة الكافية.... هناك نماذج أخرى من الشباب يجب الا تغيب عن الساحة.. شباب القرى والنجوع والملايين التي لم تحضر المؤتمر ولكن لهم أيضا آمالًا وأمنيات وتطلعات.. والملايين التي تبحث عن عمل ، كل هؤلاء يجب أن يشاركوا.. ولكن هل سيتسع صدر وعقل الدولة وتكون قادرة على استيعابهم من خلال خلق مبادرات جديدة لامتصاص طاقتهم وحل مشاكلهم.. لا يوجد طريق آخر لأن حسن النوايا لا يستمر طويلا والحماس القائم حاليا قد يجعل من هذه الآمال واقعا إذا ما استمر العزم ووضحت الرؤية وبدأ التنفيذ.. وكثير من أمراض المجتمع التي ظهرت مع انشغال الحكومة تركت آثارا سيئة، وكان لابد من تزامن هذا الانشغال مع العمل السياسي الوقائي الذي يحمي الشباب والمجتمع.

 

 

حسنا فعلت الدولة إذ آمنت بأهمية الشباب ولكن عليها أن تدرك أن الكبار أيضا من الرجال والنساء لهم صوت ودور، ويجب أن تمتد إليهم المفاهيم الجديدة للحوار والمشاركة..

والحقيقة أن مأساة الشباب والعمل السياسي ليست وليدة هذه اللحظة ولكنها تراكمت بعد أن عجزت الأحزاب السياسية أن يكون لها دور سياسي حقيقي في المجتمع يتعدى دور تأسيس الحزب وانتخاباته والانتخابات لمجلس النواب.. والدولة أسعدها أن الأحزاب لا تمارس سياسة بالمعنى، ولكن ذلك ما يسبب بالضرورة التفكك والتناحر داخل المجتمع والذي يأتي نتيجة للفراغ السياسي داخل هذا المجتمع.. بل وقد أضر ذلك بالشباب ضررا بالغا لأنه لم يجد الطريق إلى العمل السياسي الوطني وبالتالي وقع في مطبات البدائل..

الدولة تفكر في أن تنشئ منظمة الشباب وبالرغم من اعجابي الشديد لها في الماضي الا أنني أعود فأقول إن ما كان يصلح للستينيات أصبح غير وارد في القرن الواحد والعشرين، فالظروف تغيرت.. كان هناك فكر واحد يربط الجميع ومن خرج عنه فهو خارج الحلقة.. ومنظمة الشباب على قوة بداياتها في الاعداد والصقل لم تستمر طويلا لأن المنظمة نقلت نفسها من دائرة الحوار الى دائرة التلقين والطاعة وهو عيب التنظيمات في مصر عموما.. ولكن يذكر للمنظمة أنها خلقت أقوى الكوادر السياسية والفكرية في الفترة الماضية.. والمصيبة الكبرى أننا لا نحسن الحوار ولا نجيده.. وحتى ان كان الحوار قائما فعمره قصير مع تعدد الجهات والصدمات وحب الاستحواذ والاستئثار بالقلوب والعقول كهدف وليس كنتيجة.. منظمة الشباب إن قامت ستخلق شبابا بريشة مع الدولة، وشبابا عاديا غير مضمون في نظر الدولة.. وإذا حدث ذلك فحتمية الصدام قائمة.. أجدى من ذلك خلق محاور متنوعة لصياغة الأدوار الإيجابية للشباب داخل المجتمع، فالعمل السياسي ليس قاصرا على الانتخابات.. العمل السياسي يجب أن يمتد لخدمة المجتمع في كل موقع والقدرة على التغيير وعلى قيادة نهضة حقيقية وإضافة فرص العمل للعاطلين وفتح المجال للمبدعين.. هذا الدور يجب أن يُخَطِط له عمليا «الخبراء» وأصحاب التجارب ليصل إلى كل أنحاء مصر ويكون قاعدة رئيسية لاختيار القيادات..

 

إنني أعتبر أن موافقة الرئيس على تشكيل لجنة سياسية للمسجونين من الشباب في حد ذاته دعوة للوفاق الوطني ودعوة الى رأب الصدع وأنا أطلب أن يمتد لأكثر مما يقال.. ويجب ألا تكون تلك اللجنة مجرد لجنة إفراج بل لجنة «لم الشمل» وإعادة الثقة المفقودة والتأهيل لكل الشباب الذين لم يؤمنوا بالعنف، أما اختلاف الرأي فلا يفسد للود قضية.. هذا الشباب يمكن للدولة احتضانه من خلال برامج سياسية مؤهلة والاستفادة من طاقاته في مشاركات مجتمعية بناءة تضمن له المستقبل والعيش الكريم ولوطنه التنمية والتقدم.. نحن أولى بهذا الشباب.. نحن في حاجة الى كل من يؤمن بالحوار مبتعدا عن العنف، وأن يكون ولاؤه الأول والأخير لمصر حتى لو اختلفت وجهات النظر، نحن في حاجة الى إعادة تأهيل لأبنائنا الذين أرهقوا أو شعروا بالابتعاد وهم في السجن أو خارج السجن.. يجب أن نستوعب أن الشباب يمر بفترات مراهقة فكرية وخاصة الأذكياء منهم ولذلك فقد ينجذب لبعض الأفكار الغريبة التي تجعله مشوشا، والدولة لم تسع في السابق لاحتضانهم ولكن مع التغيير والتجربة المستفادة يمكن أن نحقق هدفا إنسانيا وقوميا وخاصة أن ثروات مصر الثقافية والسياسية والاجتماعية متعددة وتستطيع أن تعمل مع الشباب لإنقاذه.. انني أتخيل كل أب وكل أم وهم يناشدون الدولة في أن تأخذ بأيديهم، والرئيس كان في هذا المؤتمر أبا رحيما وكريما مع أبنائه الذين أيدوه أو عارضوه وأنا على يقين أنه يتحرك من نزعة الأب والمسئول ليتيح الفرصة لكل الشباب للمساهمة في قاطرة التنمية..

نحن لا نريد قوالب جامدة، ولا نريد استئثارا بالسلطة.. نحن نريد مجتمعًا قد يختلف في آرائه لكنه يتفق في ولائه لمصر وهو إطار يمكن أن يضع الجميع ضمن هذا النسيج الوطني..

ان سلاح الحوار أقوى من كل الأسلحة وهو القوة المتمكنة التي تستطيع أن تخمد الإرهاب.. الإرهاب يعتمد على غسيل المخ وشلّ العقل والقدرة لدى الشباب ليكونوا طوعا للمخططات الشريرة للتطرف.. والحوار الصادق هو سلاح فعال للوقاية وغلق الطريق على الأفكار المتطرفة.. الحوار هو تقريب المفاهيم والإيمان ببعضنا البعض ومحاولة كسب الثقة وهذا هو الطريق للتكاتف والتعاضد في الأهداف..

 

أعود فأوجز لقد خرجنا من هذا المؤتمر بعدة مكاسب أساسية: أولها أن العمل السياسي دخل بداية مرحلة جديدة، والحوار أصبح حقيقة وحقا للجميع للمؤيدين والمعارضين، وأن الدولة فتحت طريقا مبشرا لكسب الرأي والالتفاف حول الهدف وهو مطلب هام في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.

ثانيا: أن هذا الحوار الذي استهدف الشباب امتد الى الشعب الذي استمع وجلس أمام شاشات التليفزيون مشدودا ومتابعا لهذا الحوار بمشاركة أبناء له، وهذا جديد ويجعلنا على يقين أن الشعب أيضا كان يفتقد الحوار الذي يمتد الى الاستماع والتشاور والمشاركة.

ثالثا: الذي ينظر بعين فاحصة يدرك أن شباب مصر لديه طاقات هائلة ودائما مشرف بل وقد يدهشك إذا ما تم إعداده وأتيحت له الفرصة ووضعت فيه الثقة.. وقد شاهدت بعض الشباب الذي تكلم بموضوعية وحيادية ولقد ظهر بعضهم كخبراء في السياسة والاقتصاد..

رابعا: لقد انكسر الحاجز النفسي بين الدولة والممارسات الديموقراطية، وتخوفاتها من الشباب ومن إرساء الحوار معه، فبعض الناس كانت متخوفة من الحوار المرئي ولكن أثبتت التجربة أن التخوفات كانت مبالغا فيها والأمر ليس بهذه الصعوبة، بل على العكس من ذلك فإن الدولة حققت مكاسب عظيمة من هذا الحوار، حيث جاء الاختلاف في الرأي أحد أهم هذه المكاسب.

خامسا: إن المعارضة على الجانب الآخر خرجت أيضا بمكاسب لم تكن متوقعة، وأضافت لهذا المؤتمر صورة مشرفة لما يمكن أن تكون عليه الممارسة الديمقراطية، بل ومهدت إلى الفهم الواضح أن للمعارضة دورًا فعالًا في المشهد السياسي على اتساعه بل وأساسي لإرساء الديموقراطية وأن الرافضين والمقاطعين قد فقدوا الكثير بعد أن ابعدوا أنفسهم عن هذه التجربة.. إن الدولة أمام قيادات واعدة ولكن هل نجوم المعارضة سيكون لهم نصيب في الاختيارات القادمة.. يجب أن ندرك أن البشر هو أهم مكون للتطوير.. وأن القيادات التي برزت في هذا المؤتمر هي اضافة عظيمة للاختيارات القادمة.

سادسا: أن الحوار أوجد فرصة نادرة من خلال الحوار استجاب لها الرئيس وهي دعوة للوفاق الوطني.. وأنا على يقين أن هذا التوجه إلى حل مشكلة الشباب المسجونين أقوى مكسب أثر في نفسي وفي نفس الجماهير المتابعة له..

وعلى الوجه الآخر فهناك سلبيات يجب تداركها:

أولها أن هذه المكاسب ممكن أن تصبح حبرًا على ورق وممكن أن تمتد لتصير برامج عمل، ونقلة إلى الحوار المستمر والمشاركة التي ستغير كثيرًا من المواقف، ويمكن أيضا أن تكون بداية لعودة دور مفتقد للمعارضة على الساحة السياسية ومنافذها..  والكُرة في ملعب الحكومة والأيام ستثبت ذلك.. ولهذا السبب أقول إن الحكومة سنة أولى سياسة وقبل ذلك لم تدخل عالم السياسة لأن ما نلمسه هو الاصرار على رأي الحكومة وعملها في الخفاء دون أن يكون هناك حس سياسي لرؤية الشعب.. رؤية الحكومة رؤية قاصرة أدت إلى عواقب وخيمة.. وبرنامج الحكومة ليس اختراعا جديدا ولكنه استمرارية وتطوير لبرامج سابقة، ولكن لم يحدث في الماضي مثل هذه المشاكل التي دقت الجنيه المصري بقسوة لم نشهدها خلال خمسين عاما، وأنا لا أفهم لم الهرولة والجري السريع للاقتراض وبهذه المضاعفات المؤلمة ومن أين ستسدد القروض؟ ولا أفهم لماذا لم يصل رأي الشعب والمتخصصين إلى الحكومة.. ومن المؤسف عندما يصل المسئول الحكومي إلى الحالة التي لا يسمع ولا يحس بمن حوله ويصر على آراء هو ماضٍ بها سواء سمع أم لم يسمع فعندئذ يجد أنه قد عزل نفسه عن الجماهير.. إن المسئول الناجح هو من يجعل بوصلته رضاء الجماهير.. وأن يكون متفهما لآراء المتخصصين من خارج الحكومة والذين امتدت خبراتهم وكانوا طرفا في مثل هذه المشاكل.. وأجد أنه من الأمانة أن أشير إلى أن الهوة التي حدثت مع الحكومات الحالية والسابقة هي نتاج الانغلاق على النفس والانفراد بالقرار وغياب كل من الحوار والبحث عن البدائل.

ثانيا: هناك تخوف من غياب استمرارية الحوار.. وأتمني أن تؤمن الحكومة بأن الحوار هو أقوي سلاح لها وهو القوة الرادعة التي تخمد الإرهاب وتوقف تمدده.. فالإرهاب يعتمد على غسيل المخ وشل إرادة الشباب ليكونوا طوعا لمخططاتهم وفتح أبواب الحوار البناء وتحصين عقولهم هو غلق الطريق على الفكر المتطرف.. لقد فشلت الأحزاب السياسية في خلق كوادر وخاصة من الشباب وهذا وضع عبئا ثقيلا على الدولة والمجتمع.

ثالثا: إن هناك ملايين من الشباب لم تتح لهم الفرصة للمشاركة في هذا الحوار.. وهو أمر طبيعي.. ولكن الطبيعي أيضا أن تخلق الدولة جسورا تمتد للقرى والنجوع، ويجب أن يستمع لصوتهم وأن يقتنع الشباب أنهم جزء من التغيير.. ويجب أن يكون للحكومة برامج سياسية لجذب الشباب وكسب ولائه الوطني.. ويجب أن يسند للشباب دور لتنمية المجتمع وخلق فرص عمل للعاطلين وإعادة تأهيلهم من خلال معسكرات عمل وندوات للمناقشة يشارك فيها كبار المسئولين.

رابعا: وكما فتحت الدولة الحوار مع الشباب فيجب أن يمتد الحوار إلى كثير من الفئات الأخرى.. نحن في حاجة إلى حوار بناء مع رجال الأعمال وضرورة تنمية العلاقة مع الدولة لتكون شراكة حقيقية.. الدولة بذلت جهودا مضنية للاقتراض من الخارج ولم تبذل جهدا في جذب رجال الأعمال المصريين أو في تذليل مشكلات لهم.. بالرغم من العواقب السيئة للاقتراض من الخارج يجب أن تنظر الدولة بمفاهيم واضحة وأيضا متقبلة لتشجيعهم، ولا بد أن يكون هناك مؤتمر اقتصادي للحوار المباشر معهم.

وأريد أن أعلق على ما قيل بأن إعداد هؤلاء القيادات وتخريجهم جاء توطئة لتوليهم مناصب قيادية في الدولة.. والدولة ليست أشخاصا بل مؤسسات للدولة ولا يوجد ما يسمى تأهيلًا للمناصب القيادية من خلال تدريب أو شهادات بدون المحك الرئيسي في أي اختيار وهو الخبرة والقدرات التنفيذية من خلال تنافس شريف واختيار شفاف يعقبه تقييم الأداء الزمني بموضوعية وطبقا لمؤشرات تعبر عن الأداء ومردوده الجماهيري وإضافاته للتنمية.. والدولة لها سابقات عديدة في سوء الاختيار مما يعرض مصر لتجارب بعيدة عن النجاح ناهيك عن الوقت الضائع.. ولذلك وجب الحرص الشديد.. وأتمنى أن تكون الدولة قد دربت القيادات الجديدة على هذه المفاهيم.. وتردي الخدمة في بعض الوزارات يرجع للإطاحة بأصحاب الخبرة.. واندفاع الوزراء لتجنب الخبرات واقصائهم بعيدا عن موضع اتخاذ القرار.. واحضار أهل الثقة.. لقد رأيت الكثيرين منهم عملوا كمتطوعين وكانت لهم بصمات واضحة في طريق التقدم.. علينا أن نجد وسائل جديدة لاستمرار الخبرة واستفادة الوطن منها..

وكلمة أخيرة يجب أن يدرك الجميع أن السياسة ليست من «الكماليات» ولكنها العمود الفقري لدفع العمل الجماهيري.. وعلينا أن نحسن استخدام الحماس الذي برز مع هذا المؤتمر لخلق قوة دافعة للعمل.. لقد فقدت الحكومة الكثير من خلال الصمت الطويل والأداء البطيء والانفصال عن القاعدة الجماهيرية.. وهناك كل الأسباب التي تجعل من الحوار والمشاورة والاستجابة طوق نجاة للحكومة.. العمل السياسي هو جزء هام من رصيد الحكومات وخاصة إذا ما وُجه لدفع التنمية وخلق إنجازات تنسب للحكومات وترضي المواطنين..

[email protected]