عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

< 48٪="" فقدوا="" الثقة="" بالنظام="" الانتخابى="" الذى="" تعتبره="" أمريكا="" رمزًا="" للديمقراطية="" وتتباهى="" به="" أمام="">

< واشنطن="" بوست:="" أمريكا="" تشهد="" بداية="" نهاية="" الحزب="" الجمهورى="" أعظم="" الأحزاب="" فى="" الولايات="">

< «ترامب»="" أيقظ="" الفتنة="" وزرع="" بذور="" التفرقة="" وخلق="" جرحًا="" غائرًا="" فى="" النسيج="">

< «ترامب»="" هدد="" «كلينتون»="" بالسجن="" فى="" حالة="" فوزه="">

 

فى كل أربع سنوات يكون موسم الانتخابات الأمريكية والتى تبدأ وتستمر لمدة عام قبل حلول العام الرابع كمحور سياسى مهم فى الحياة اليومية للشعب الأمريكى، وقبيلها يتم التصويت الانتخابى أى فى شهر نوفمبر ليعلن المرشح الفائز أو الرئيس القادم للولايات المتحدة الأمريكية الذى يتولى مهام منصبه أول العام الرابع وفى هذه الحالة ٢٠١٧.. وتمر الانتخابات بمراحل معقدة ومتعددة تبدأ بتقدم المرشحين للرئاسة سواء عن الحزبين الرئيسيين- الجمهورى والديمقراطي- أو كمرشحين مستقلين أو لأحزاب أخرى صغيرة، فالحق مكفول للجميع إذا ما استوفى الشروط، وان كانت هناك بعض المعضلات القانونية التى قد تواجه الأحزاب الصغيرة منها.. ويقوم المرشحون بعرض برامجهم وتوجهاتهم على جميع الأصعدة الداخلية والخارجية التزاما بمبادئ حزبه وبما يراه يخدم صالح البلاد، وبالطبع ينطوى الجميع تحت ويظلهم الدستور الأمريكى.. وتنتهى التصفيات الأولية للانتخابات بإعلان كل حزب عن مرشحه الأوحد الفائز لخوض انتخابات الرئاسة، وعندها يبدأ التنافس والصراع بين المرشحين والذى ينتهى فى ٨ نوفمبر القادم بانتخاب رئيس جديد للبلاد.. وبالرغم من تصويت الشعب الأمريكى فى الانتخابات الا أن انتخاب الرئيس فى الولايات المتحدة لا يتم بصورة مطلقة بواسطة الانتخاب المباشر للشعب ولكنه يتم من خلال أصوات ممثلى «المجمع الانتخابى» والذى تتباين أعداده فى كل ولاية، فالرقم قد يزيد أو يقل طبقا لعدد الممثلين فى المجمع الانتخابى وهذا ما يجعل ولاية مثل كاليفورنيا لها ثقل ١٢ مرة أكثر من ولاية مثل نيوهامشير، وقد خلق ذلك ثقلا لبعض الولايات التى تحسم العملية الانتخابية، وعموما فأصوات المجمع الانتخابى فى كل ولاية تقرر الفوز من عدمه للمرشح وليس بالضرورة أعداد الناخبين له، ومن هنا فمن الممكن أن يحصل المرشح على أصوات الغالبية من المواطنين فى كل أنحاء امريكا ولكن لا يحقق الفوز الا من خلال أغلبية المجمع الانتخابى كما حدث فى انتخابات عام ٢٠٠٠، واذا كانت هناك ولاية لديها ٤٠ صوتا مثلا فى المجمع الانتخابى، فمن يحصل على ٢١ صوتا يحصد كل أصوات الولاية الأربعين بشرط حصوله فى نفس الوقت على أغلبية أصوات الناخبين من الشعب فى تلك الولاية، وهنا تبرز قيمة التصويت الشعبى بالولايات الأمريكية.. ويبلغ عدد ممثلى المجلس الانتخابى للولايات المتحدة كلها ٥٣٨ عضوا ويتعين حصول الفائز بالرئاسة على ٢٧٠ صوتا أو أكثر من المجمع الانتخابى.. ولك أن تتخيل هنا مدى حدة التنافس والتصارع من قِبل المرشحين وأحزابهم ومؤيديهم للفوز فى الانتخابات الأمريكية.

إن ما يجرى من أحداث فى هذه الدورة الانتخابية شيء غير مسبوق على الساحة الأمريكية، فلأول مرة نجد مرشحا للحزب الجمهورى تم انتخابه على أساس مبادئ عنصرية معلنة من قِبَلِه! والعنصرية موجودة فى كل مكان وزمان ولكنها مستترة وبعيدة عن الظهور الفاضح، ولكن فى هذا العام فجر المرشح الجمهورى آراءه العنصرية ضد الأقليات، بل واستطاع أن يفوز فى انتخابات الحزب الجمهورى من خلال الاغراءات العنصرية.. وقد أظهر دونالد ترامب كراهية للإسلام والمسلمين، وطالب بوقف الهجرة من المسلمين ووضع المسلمين فى الولايات المتحدة تحت رقابة أمنية وهو أمر منافٍ تماما للدستور الأمريكى.. وامتد هجومه على الاقليات لتشمل الهجرة من المكسيك وأمريكا اللاتينية.. واتهم المكسيكيين بجلبهم المخدرات والجريمة والدعارة إلى الولايات المتحدة، وأعلن أنه سيقوم ببناء حائط يفصل بين أمريكا والمكسيك، وزيادة فى تعنته وصلفه يعلن أنه سيرغم دولة المكسيك على دفع تكاليف الحائط.. ولم يكن ترامب معضدا أو متفهما لمشكلات الأقلية من الأمريكان من أصول أفريقية، كما وأظهر عدم احترامه للمرأة، وقلل من شأنها، وتعدى حدود اللياقة معها، فكان هذا الكلام المرسل والوقائع سببا فى بدء الهجوم عليه، وهو نفس السبب الذى أدى لارتفاع أسهم هيلارى كلينتون خاصة بين أصوات المرأة والتى تمثل عموما ما يقرب من ٥٢٪ من الأصوات الانتخابية..

واستمالت أفكار ترامب كثيرا من الجمهوريين البيض الذين لم يحصلوا على التعليم الكافي والعاطلين ليكونوا هم العمود الفقرى لمؤيدى ترامب، وهو ما يبين الأثر الواضح للتعليم فى تفعيل التعايش والسلام الاجتماعى والاختيارات الصحيحة، ومن خلال البرامج الإعلامية أفصح الكثيرون من مؤيدى ترامب أنه استطاع أن يعبر عن الشعور الدفين بداخلهم والذى توجسوا أو خجلوا من أن يظهروه صراحة على الملأ فى المجتمع..

ترامب أيقظ الفتنة بل وزرع بذور التفرقة وهو بعيد عن السلطة وهو أمر يراه الكثير من المحللين والسياسيين أمرا خطيرا، محذرين من تلك الافكار التى تفكك وتهدم المجتمع، بل وأعلن العديد من كبار زعماء الحزب الجمهورى استهجانهم، أو توقفهم عن مساندة ترامب أو الدفاع عنه وأفكاره وتصرفاته، وعلى رأس هؤلاء المرشح الجمهورى السابق جون ماكين، وكوندليزا رايس وزيرة الخارجية السابقة التى طالبته بالانسحاب من السباق الرئاسى، وأهم من ذلك زعيم الأغلبية بالكونجرس الأمريكى بول رايان الذى أعلن مؤخرا تخليه عن الدفاع عنه ودعا  إلى التركيز على انتخابات الكونجرس أملًا فى الاحتفاظ بأغلبية المقاعد به للجمهوريين، وهو مطمح سياسى يتيح سلطة ذات وزن فى تسيير دفة الحكم بالبلاد، وربما اهتدى مؤخرا إلى أن ذلك أجدى من تعضيد مرشح مثل ترامب بمبادئه وتصرفاته التى تُقلص من فرصه والحزب للفوز.. ورايان شاب له احترام كبير وثقل داخل الكونجرس وتم انتخابه بسهولة رئيسا للأغلبية لكفاءته والتزامه بمبادئ حزبه وانتهاجه للخط المحافظ للحزب الجمهورى، الا أن ذلك لم يوقف ترامب من الهجوم عليه أو الحزب الجمهورى بل وفى مرحلة ما هدد الحزب بأنه سيرشح نفسه مستقلا، ومن واقع حدة الخلاف على شخصيته وتناقضاته لم يؤيده الرئيسان السابقان جورج بوش الأب والابن وأفراد عدة من عائلة بوش كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية.. ولم يحدث أن شهدت أمريكا ذلك الانقسام بين زعماء الحزب الجمهورى من قبل.

وعندما ظهر ترامب على ساحة الترشيحات لم يكن لديه خطة أو استراتيجية لقيادة أمريكا ولكنه نجح فى استخدام الشعارات التى تلهب مشاعر الجماهير الأمريكية للوصول إلى غرضه فى الفوز كمرشح للجمهوريين مستخدما مهارات «البائع الماهر»- وهو ما وصفه به بعض المحللين السياسيين- وبحكم خبرته كأحد رجال الأعمال الأمريكيين.. فقد صور للناس انه المنقذ دون غيره لإعادة أمريكا إلى ما كانت عليه من عظمة، وأنه الوحيد القادر على انقاذ اقتصاد أمريكا وتقليص البطالة لما له من خبرة فى إدارة شركاته.. بل وشكك فى كل من حوله، ونسج دون دليل الكثير من نظريات التآمر ضده.. شكك فى الخصم وحملته الانتخابية والحزب الديمقراطى والاعلام على اختلاف منافذه ورجال البنوك، كما شكك فى حزبه الجمهورى وأن اختيار المرشحين لا يتم بنظام شفاف، بل وعدد لمساوئ نظام الحزب ،الشىء الذى لم يحدث مسبقا من مرشحٍ للحزب.. ولكن يبدو أن الغاية عنده تبرر الوسيلة فأى فعل مباح للوصول إلى ما يريده.. وربما ساعده فى ذلك الحالة الشعورية لفئة من الشعب الأمريكى التى تجد فى نفسها صدى كبيرا لهذا الهجوم وهذه التوجهات وتلك النعرة.. وحتى ان لم يصل ذلك لدرجة الاقتناع الكامل، فهى تريد أن تصدقه ولا مانع هنا من غض البصر..

وطريقته معروفة فى التشكيك فيمن حوله، بل والإمعان والمبالغة فيه ليحظى بما يريد وبحيث يضمن مساحات هائلة من التواجد الاعلامى للتحدث عنه وما يردده ليل نهار حتى وان خرج عن حدود اللياقة.. وله سابقة شهيرة عندما أعلن منذ ست سنوات بأن أوباما ليس من مواليد الولايات المتحدة وأن شهادة ميلاده قد تكون مزورة وعليه فهو غير مؤهل ليكون رئيسا لأمريكا، وقام الرئيس أوباما حينئذ بالكشف عن صحة شهادة ميلاده، وبالرغم من ذلك استمر فى التشكيك واثارة البلبلة من جانبه حتى أعلن مؤخرا فى احدى ندوات الدعاية الانتخابية – وفيما يبدو بناء على نصح كبار مديرى الحملة الانتخابية له سعيا وراء الأصوات- بأن أوباما قد ولد فى الولايات المتحدة.. وهذا يشير إلى أنه بوسعه فعل أى شىء دون استحياء، ودون محافظة على التقاليد أو مراعاةً لأصول العمل السياسى.. وكم من مرات يُجرى فيها التدقيق فى صحة تصريحات وادعاءات ترامب واتهاماته للآخرين ويثبت عدم صحتها..

وفى إطار حملاته للتشكيك فى كلينتون أعلنها على الهواء صراحة خلال مناظرة انتخابية بأنه لو فاز بالرئاسة سيضعها بالسجن لتحفظات مسبقة أثيرت حولها.. واستوقف هذا القول الكثيرين باعتبار أنه لا يجوز لرئيس دولة أن يستخدم سلطته فى سجن معارضيه أو غيره، فهناك فصل بين السلطات.. ثم إن أمريكا لا تحكمها الديكتاتورية التى تأخذها على بعضٍ من أنظمة الدول أخرى، وانهال عليه الكتاب والسياسيون مستهجنين ما قاله واعتبر الجميع أنه خرج عن الإطار الديموقراطى للولايات المتحدة ولم يحدث مسبقا تهديد من مرشح لمرشح آخر حال فوزه فى أى انتخابات جديدة..

إن حملات التشكيك التى قادها ترامب أدت إلى ظاهرة خطيرة لم يشهدها الشعب الأمريكى من قبل وفى نظرى إن ترامب خلق مؤخرا جرحا غائرا فى نسيج وحدة الشعب الأمريكى نتيجة فقدان الثقة فى الديمقراطية.. بل وامتدت أيضا إلى فقدان الثقة بين بعضهم البعض.. وهذا من واقع بحث علمى لأحد كبار الأساتذة فى جامعة ستانفورد حين قام مؤخرا بعمل بحث ميدانى عن مدى فقدان الثقة فى الديمقراطية الأمريكية، وقد أسفرت النتائج عن أن ٤٨٪ من الشعب الأمريكى قد فقد ثقته بالنظام الانتخابى الذى تُعده أمريكا رمزا للديمقراطية ومثلًا وفخرًا لها تتباهى به أمام العالم على مدى أكثر من مائة عام.. وبينما ظلت إحدى العلامات الأساسية للثقة فى فاعلية النظام الديموقراطى الأمريكى هو رضاء المهزوم فى الانتخابات من تقبل النتائج- وهى فى نفس الوقت احدى العلامات الصحية على مدى تاريخ الانتخابات الأمريكية، بأن يخرج المهزوم فى مؤتمر عام تليفزيونى ليتقبل النتيجة ويهنئ الفائز ويشكر المعضدين له- إلا أن الإحصاءات المتراكمة من خلال هذا البحث الهام تصل إلى نتيجة مقلقة من أن مؤيدى ترامب لن يتقبلوا الهزيمة، حتى إن ترامب نفسه يمهد لذلك الآن بالحديث عن تزوير الانتخابات وعدم جديتها وكأنه يشير إلى سرقة البنك قبل حدوث السرقة! وعليه يتنبأ البعض بالمشاكل العويصة التى قد تنشأ جرّاء عدم قبول قطاع من مؤيدى ترامب لنتائج الانتخابات.. ويحذر الباحث من أن هذا الوضع قد يؤدى إلى تدمير كثير من قيم الديمقراطية بل ويذهب إلى تحطيم الثقة الاجتماعية التى توحد الدعم للديمقراطية.. وفى نفس الدراسة تبرز ظاهرة سياسية خطيرة أخرى فى أن ثقة الشعب فى الكونجرس الأمريكى قد تضاءلت إلى ٩٪، والحق يقال إن الكونجرس لم يترك انطباعا حسنا فى نفوس المواطنين، وكان زعيم الكونجرس السابق جون بوينر عنيدا وعلى خلاف حاد مع إدارة أوباما ووقف الكونجرس- نظرا لأغلبية الجمهوريين به- عقبة فى تمرير كثير من السياسات والمشروعات المقدمة.. ومنذ ثلاثة أعوام أُوقفت من خلال الكونجرس موازنة الدولة وتوقفت المصالح لعدم وجود تمويل، وهذا يُظهر الموقف العدائى الذى لم يرتح له الأغلبية من الشعب.. وعندما زار البابا الكونجرس الأمريكى انخرط بوينر وهو شديد التدين فى البكاء تأثرا وربما كنوع من الاعتراف وعدم رضائه عن نفسه.. وتقدم باستقالته عقب الزيارة مباشرة ليخلفه بول رايان وهو شاب يحظى باحترام شديد ويتوقع الجميع أنه سيكون رئيسا للولايات المتحدة فى المستقبل.. وحسب استطلاعات الرأى الأخيرة فهناك تكهنات بأن تكون أغلبية الكونجرس القادمة من الديمقراطيين.. مما سيجعل كلينتون حاكما بأمره إذا فازت فى الانتخابات.

 ربما استطاع ترامب الفوز بترشيح الحزب الجمهورى الا أنه فى نفس الوقت استطاع أن يمزق الحزب الجمهورى الذى على الأقل ظاهريا ينتمى اليه.. واستطاع أن يبنى سياسته على التمييز العنصرى بل ورحب به البعض..  وأصبح تهديده واضحا إن لم يفُزْ فسيسبب كثيرا من الآلام قد تصيب الديمقراطية فى مقتل عملا بمفهوم «فيها لأخفيها».. فوق هذا فهو لا يعرف التقاليد السياسية.. ويفتقد حكمة إرساء التوازنات فى خطواته بصورة قد تكون سببا لمشكلات متفاقمة للبلاد فيما بعد حال فوزه.. ويرى العديد أن هدفه الأول والأخير هو «ترامب» و «ترامب داخل البيت الأبيض».. وقد كان فى فترة من الفترات قريبا من ذلك إلا أنه بعناده وتشكيكاته وغياب الحنكة السياسية لديه أخفق فى استمراره لكسب الجماهير بجانبه.. فقام الكثيرون بمراجعة موقفهم تجاهه وانصرفوا عنه خاصة بعد معرفة أمور عن حياته الخصوصية مما أفقده كثيرا من المصداقية..

وتشير جريدة الواشنطن بوست الأمريكية مؤخرا إلى أن أمريكا تشهد الآن بداية النهاية لأحد الاحزاب العظيمة فى الولايات المتحدة ألا وهو الحزب الجمهورى وكما هو معروف عنه.. وأضافت أنه بينما يتخيل العديد من الجمهوريين بأن ما يحدث على الساحة لا يخرج عن كونه مجرد استيلاء وقع على الحزب من قِبل شخصية غريبة عليه، سرعان ما يختفى بعد هزيمته فى الانتخابات وبعدها يعود الحزب لطبيعته مرة أخرى.. الا أن ترامب قد أعلنها بوضوح أن الامر لن يمر بهذه البساطة، اذ أعلن الحرب على قواعد الحزب الجمهورى ونجح فى تقسيمه بل وربما بهدف الاستيلاء عليه محولا إياه إلى حزب شعبى، وهو ما يحلم به أيضا العديد من الناصحين حوله.. ولن يكون من الصعب هنا توقع الدفاع المستميت عما تبقى من روح الحزب، ويتزعم ذلك زعيم الأغلبية فى الكونجرس بول رايان يعضده معظم أعضاء الحزب الجادين من المحافظين والمثقفين فى محاولة لإعادة مبادئه التى انتهجها من قَبل الرئيس الأمريكى الجمهورى رونالد ريجان وتشمل مفاهيم السوق الحر.. الحكومة المحدودة.. الاستحقاق للإصلاح الجازم فيما يتعلق بالسياسة الخارجية..

الا أن الغريب فى الأمر يظهر فى نتائج أحد الاستطلاعات الحديثة للباحث الأمريكى جاستن جيست والتى تشير اليها الجريدة نفسها حيث تم توجيه سؤال للأمريكيين البيض عن إمكانية تعضيدهم لحزب ما يهدف الى: إيقاف الهجرة الجماعية- إعادة العمل إلى عمال أمريكا- المحافظة على الموروث المسيحى الأمريكي- إيقاف التهديد من الإسلام.. فجاءت الإجابة بنعم للتعضيد وبنسبة ٦٥٪.

ويرى الرأى أن المؤسسين بالحزب الجمهورى كان فى إمكانهم إيقاف ترامب منذ فترات مضت وضحت فيها توجهاته العنصرية وغير الدستورية والغريبة على المجتمع الأمريكى، الا أنهم استمروا فى محاولة محايلته ومهادنته إزاء حصده أرقامًا عالية من أصوات الناخبين، وهناك مقولة شهيرة لونستون تشرشل يوجهها إلى مقدمى الاسترضاء والمهادنة مفادها أن « هناك من يعتقد بأنه إذا ما أفاض فى إطعام التمساح حتى يشبع، فإن التمساح عندئذ سيتغاضى عن التهامه فى النهاية».. وهذا عشم ابليس فى الجنة!

والمنافس الثانى فى الانتخابات ومرشح الحزب الديمقراطى هى هيلارى كلينتون.. دارسة القانون وامرأة العمل العام والسياسة منذ الصغر وهى التى كانت وراء زوجها فى كفاحه الأول وعاشت دورتين فى البيت الأبيض كسيدة أولى لأمريكا، وكانت مرشحة للرئاسة أمام أوباما ثم عملت معه فى مدته الأولى كوزيرة للخارجية.. وسواء شئنا أم لم نشأ فهى سياسية محنكة، تمرست فى كثير من التجارب والمجالات التى جعلت منها وجها سياسيا بارزا.. وتفوقت كمحامية لتكون أول امرأة شريكة فى شركة روز القانونية، وفى خلال ولاية زوجها كرئيس للجمهورية ساعدت فى عمل التأمين الصحى للطفل، وكان لها بصمة واضحة فى إرساء المبادئ العالمية لتعزيز المرأة وتحسين أحوالها.. وقد دخلت الكونجرس ممثلة لنيويورك، واستطاعت أن تبنى صورة جديدة لها ولعبت دورا هاما فى الإصلاح الاجتماعى وتعزيز الأقليات السود.. وعلى الوجه الآخر كان هناك الكثير من المعارضين لها، وفى عام ١٩٩٦ صدر كتاب عن كراهية هيلارى ألفه هنرى جيتس.. وجاء كثير من علامات الاستفهام عن علاقتها بسوق المال أى بوول ستريت، وأيضا حول انشائها وزوجها بيل كلينتون مؤسسة كلينتون التى حصلت على تبرعات سخية من رجال البنوك والأعمال وبعض الدول العربية.. يضاف إلى ذلك فضيحة تسرب البريد الالكترونى لها بالرغم من أن جهات الأمن القومى قد سبق وحسمت هذا الأمر بعد استجوابها..

ومرت كلينتون بمعارك ضارية للحصول على ترشيحها من الحزب الديمقراطى حيث كان منافسها الشرس ساندرز قد جمع الشباب حوله ووضع خططا ليبرالية وإن كان يصعب تنفيذها الا أنه غرسها فى عقول الكثير من الشباب مما جعل المعركة حامية.. ولكن انتصرت هيلارى فى النهاية لتدخل فى معارك أكبر وأعمق مع المرشح الجمهورى ترامب.. وقد حظيت هيلارى على تأييد غير محدود من الرئيس أوباما ونجحت ميشيل أوباما فى تعضيد مؤثر لموقف هيلارى وناخبيها، وأصبحت هيلارى بعيوبها ومحاسنها هى السند الوحيد للأقليات، ولذا تجد الأقليات فى حركة دائمة لتسجيل أنفسهم فى الانتخابات خوفا من أن يصير ترامب رئيسا لأمريكا وينجح فى فرض سياسات عنصرية مناهضة.

وبالرغم من أنه يصعب على أى شخص أن يقطع جذريا بالفائز فى الانتخابات الأمريكية، الا أن التوقعات وأرقامها تجعل من هيلارى كلينتون أكثر قربا من البيت الأبيض عن منافسها بنسبة ٨٤٪.. هذا وإن كانت الأرقام تستمر فى ديناميكية الصعود والهبوط كالبورصة متغيرة ومتلاحقة.. ومازال الأمر برمته لا يخلو من المفاجآت، فالشعب الأمريكى هو الذى سيقرر من الفائز يوم ٨ نوفمبر.. وأما عن العالم فمثل الشعب الأمريكى يقف أيضا مترقبا لمن سيصبح رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية.. وهناك شعور لدى البعض فى أمريكا ومنها جهات رسمية بأن تسريبات ويكيليكس المطردة للبريد الالكترونى الخاص بهيلارى كلينتون وقيادات حملتها الانتخابية والتى تتم فى أوقات حرجة من حملتها- يأتى كنوع من التدخل الخارجى وغير المقبول فى الانتخابات الأمريكية، وتشير الأصابع هنا إلى روسيا لتفضيلها الفوز للمرشح الجمهورى ترامب رغم نفيها لهذا الأمر.. والحنكة السياسية تحتم فى هذه المرحلة ألا يكون هناك اختيار أو تفضيل معلن من الدول لأحد المرشحين.. والدبلوماسية الواعية تتمسك بالمبدأ وليس بالشخص فتشير إلى أننا نمد يدنا لمن يختاره الشعب الأمريكى.. هكذا صارت ايماءات الدول على الساحة فى معظمها حتى وإن كان قد أزعج شعوبها توجهات ترامب.. ولكن السياسيين أحيانا يعجزون عن أن تكون لهم الحرية مثل الشعب..

وزير الصحة الأسبق