رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أخيرا لم أعد آتي إلى الجريدة لكي أستمتع بالجلوس إليه وهو أول الوافدين في الصباح الباكر قبل جميع الصحفيين .. لنبدأ رحلة من الثرثرة والنقاش التي لا تنتهي .. نختلف خلالها ونتفق لينتهي حوار التلميذ مع أستاذه بنطقه المأثور لاسمي : يا مصطفيييييييي.. بالتشديد على الياء .. صدعتني! سرعان ما كان مكتبه الذي يعتبر النقطة الجاذبة والملتقى حلبة للحوار والجدال.

على مدى أكثر من ثلاثين عاما كانت رحلتنا ورحلتي بشكل خاص مع حازم هاشم، فقد كان من بين الذين سعيت للعمل معهم منذ التحاقي بجريدة الوفد في القسم الثقافي. ورغم عملي في قسم التحقيقات إلا أنه بفضل سعيه كان استقراري مؤخرا معه في القسم الذي أحببته مع كتيبة من الزملاء والأصدقاء، ولأننا كنا صغارا وننتظر اللمسة الحانية والكلمة الطيبة لم استغرب يوم أن ناداني الراحل جمال بدوي وقد كان يرى استمراري في العمل بقسم التحقيقات ، وراح يطلب مني أن أبدأ العمل بالقسم الثقافي .. فقد أكد لي حازم يا مصطفى – والكلام لجمال بدوي - أنك شاب ممتاز ويرى الاستفادة منك في القسم الثقافي.

كنا ننظر إليه كخامس أهرامات الوفد بعد الراحلين مصطفى شردي وجمال بدوي وسعيد عبد الخالق والأستاذ عباس الطرابيلي أطال الله في عمره . رغم سنوات الغربة والتي طالت كان من بين من أحرص على التواصل معهم سواء من الخارج أو لدى قدومي القاهرة. فاجأني ذات يوم خلال إحدى إجازاتي بمشكلة كان يواجهها وراح يستشيرني بمنطق الأخ الأكبر مع أخيه الأصغر، فكان ما كان من تدخل ساهم في إنهاء هذه المشكلة. بعد نحو أكثر من 15 سنة وحتى شهور قليلة مضت فوجئت به : يا مصطفيييييي.. لن أنسى موقفك أبدا والذي يدل على معدنك. استغربت أن يظل هذا الموقف البسيط عالقا في ذاكرته في وفاء نادر في هذا الزمن الردئ.

كانت نصيحته الغالية لي والتي لم أهملها وظلت حلقة في أذني على مدى سنوات عمري : يا مصطفىيييي .. لا تدع الأيام تلهيك اشتري كتبا على قدر ما تستطيع وأقرأ قدر ما تستطيع فغدا بعد أن تتزوج قد تأخذك مشاغل الحياة وتستخسر ثمن الكتب من أجل الإنفاق على أولادك .. في لحظات تجلٍ كنت أقول له يا ريس لم أنس نصيحتك ولا أملك سوى شكرك عليها، حتى أنني أحيانا ما أعيد مرض حب الكتب الذي انتابني فيما بعد إلى نصائحك.

في العام الأخير بدا أن صحته في تدهور مستمر، حيث أصيب بوعكة صحية منذ شهور لم أتمكن خلالها من زيارته .. حينما عاد وجدته عاتبا غاضبا : معقولة يا مصطفيييي .. تأتي منك أنت؟ لم أجد سوى تقبيل رأسه بتلقائية لم أشعر معها بأي حرج .. فقد كان في العمل بمثابة الأب والأستاذ الذي لم يبخل علينا بمشورة أو دعم.

كانت بداية النهاية مع هاتفه الذي تلقيته في الثامنة صباح أحد الأيام الأخيرة لرمضان الماضي حينما راح يعتذر لي عن عدم كتابة المقال فقد سقط على السلم لدى نزوله للقدوم إلى الجريدة .. حرصت على طمأنته قائلا لا تشغل بالك يا ريس المهم صحتك وسأتابعك.

مع دخوله المستشفى كنت أشعر أنها أيامه الأخيرة .. تذكرت آخر لقاء لي معه في الجريدة وقد قدم إلى مكتبي ليسلمني مقاله للنشر : يا مصطفى أنا تعبت من الحياة .. خلاص الأمراض تلاحقني لم أعد أستطيع.. الموت راحة لي. حاولت أن أبعد الدمعة عن عيني من فرط تأثري بحديثه دون جدوى. راح يؤكد لي : هذه سنة الحياة .. وقد كان. رحم الله حازم هاشم .. الأستاذ الذي لم يبخل علينا بنصائحه ومشاعر الأبوة وكان رمزا لكل معاني النبل والوفاء. 

[email protected]