رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

حارة نجيب محفوظ هى مصر التى تصورها أم الدنيا وأساس البشر وتشهد سلسلة رواياته على أن هذه الحارة لم تخل يومًا من القهر والظلم والفقر الذى يذهب ضحيته الفقراء والمستضعفون الذين قدر لهم أن يكونوا غنم فتوات الحارة ولصوصها وناظرها جيلًا بعد جيل.. ورحل نجيب محفوظ ولم تتغير كثيرًا أحوال هذه الحارة القديمة التى انتظر أهلها العدل يأتيهم مهرولًا من خلاء جدهم الجبلاوى، الذى عاش داخل قصره دون أن يراه أحد ولكن الكل يسمع ويتحاكى عن عدله وهيبته إلا أن آنات المقهورين لم تتوقف يومًا وظل السؤال المحشور بكل الحلوق متى يظهر جدنا الأول ليخلصنا من هذا العذاب الأبدى إلا أن أحدًا لم يعمل من أجل تغيير حال الحارة وقواعد الحكم والقوة بها دون انتظار لتدخل الجد الكبير.. ولو قفزنا من صفحات روايات جدنا نجيب محفوظ إلى واقعنا المعاصر سنجد المشكلة الوجودية هى هى لم تتغير وما زال المصريون داخل حارتهم أو دولتهم بانتظار المخلص.. وهنا تظهر المفارقة الكبرى التى تدل على أن المشكلة ليست فى عدم ظهور المخلص المنتظر ولكن فى جهل أهل الحارة بأن الخلاص فى زماننا ليس خلاصًا فرديًا وليس بحاجة إلى البطل الفرد وإنما قوانين زماننا وعصرنا تقول بأن الحارة لا يمكن أن تتغير إلا ببطولة أهلها مجتمعين والمجتمع البطل هو المخلص الحقيقى ولكى يستحق صفة البطولة لا بد أن يتعلم ويعرف ليفهم ويختار ويملك جسارة الفعل وجسامة المسئولية التاريخية ويستحق شرف حريته.. لقد صمتت السماء منذ ما يقرب من خمسة عشر قرنًا عندما أعلنت صراحة أن عصر النبوة قد اختتم واغلق بآخر الأنبياء وعلى البشرية أن تهدى نفسها بنفسها وتقيم العدل الذى أوصى به الجد الأكبر، وأن العلم وحده هو القادر على التغيير باتحاد حتمى مع الأخلاق التى يمكن أن تختلف من حارة لأخرى وتكتسب قيمتها فى كل حارة من مدى رضاء الناس واتفاقهم على نفعها.

ولعل تجربة حارتنا مصر خلال قرون مضت تؤكد لنا اليوم أن الدين ليس مهمته أن يلعب دور العلم ولكنه مهم، لكى نستلهم منه تجربة الأخلاق والقيم التى نتفق على ضرورتها، كذلك فإن الدين ليس مرجعًا سياسيًا ولا يجب أن يكون لأن من يتصور أنه يجب أن يحكم الناس بما نطق به الجد الأكبر هو نوع من تزييف الوعى وتثبيت لعلاقات القهر والإجبار لأن من يحكم بتوكيل من قوى مفارقة وعليا من المفترض أن يكون جاهزًا لسحب التوكيل منه من المانح الأول والأكبر وهذا درب من الوهم وفرضية لا يطرحها على الناس إلا كاذب وملفق.

وما دامت حارتنا مصر مستمرة فى غيبوبتها التاريخية ويتصور أهلها أنهم ضحية غياب البطل المخلص حفيد الجبلاوى الصالح، فإنهم سيظلون تائهين فى خلاء التاريخ، لأن الحقيقة المؤكدة أنهم حتى اللحظة لم يهتدوا إلى أنفسهم وأخلاقهم ولم يكتسبوا العلم النافع الذى يخلصهم من أمراض حارتهم ولصوصها وحشاشيها وفتواتها وأيضًا بعض عمائمها التى أفقدت الناس وعيهم بالحياة وأغرقتهم فى قبور تصوراتها، وويل لأمة تعلى من قدر الموت فوق قدرة وعظمة الحياة.

 

 

kamel. [email protected] com