رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

هل توفيق عكاشة في حد ذاته خطر على مصر؟.. هل توفيق عكاشة صناعة نفسه أم هو نتاج طبيعي لمناخ عام مستمر في الانهيار؟.. أسئلة طرحتها على نفسي قبل تناول وتأمل الأسبوع «العكاشي» الماضي الذي كان فيه خبر حصول ليو دي كابريو على جائزة الأوسكار وإسقاط عضوية السيد توفيق عكاشة من البرلمان أهم حدثين انشغل بهما المصريون.. ما أتصوره أن توفيق عكاشة لو ظهر بنفس صفاته وأفكاره في عصر غني بالرجال والأحلام ما كان أحد سيلتفت إليه أو يعره أي اهتمام كريح جاءت في غير موعدها، ولكن ما علينا أن نتنبه إليه أن عكاشة  ليس هو الخطر الحقيقي الذي يهدد مصر ولكن المناخ العام الذي أتي بعكاشة هو الخطر الحقيقي الذي سيظل يهدد مصر ويضعفها.. الذين سينظرون لإسقاط عضوية عكاشة من البرلمان وغلق قناته بأن مصر بذلك تخلصت من رجل كان إهانه صارخة للإعلام والثقافة والتاريخ وأي معنى للقيمة هم واهمون لأن عكاشة كان سيظل نموذجاً حياً لحالة بلد ينهار فيه وبشكل منتظم ومن أربعين عاماً علي الأقل عمارة القيم والمثل الرفيعة لصالح اللصوص وأنصاف المتعلمين ومهرجي السلاطين.. توفيق عكاشة تعبير عن حالة ثقافية وإعلامية وسياسية سائدة من سنوات وليس حالة فردية صنعها لنفسه وبنفسه.. الفارق بين عكاشة وكثير من الإعلاميين والشخصيات العامة الطافية على سطح الأحداث أن عكاشة كان متعجلاً في أن يحصد ثمرة التدليس والتهريج وظل يطلب حقه على الملأ ليل نهار مقابل دور يتخيل أنه لعبه وحان وقت قبض الثمن.. عكاشة هو الابن الشرعي لزمن الهوان الذي أصبحت فيه المعرفة سبة والجهل قيمة، أصبحت فيه الطيبة عيباً والهبش واللطش قيمة، اصبح فيها الصدق نقيصة والكذب وسيلة سريعة للشهرة والثراء، زمن أصبح فيه لكثير من الرجال ألف وجه ولون، زمن يسجن فيه المجتمع نساءه بحجرات التخلف والجهالة ويشيد بهن حين يتقدمن الثورات، زمن هرمت فيه العدالة أمام عواصف المظالم والمكائد والتلافيق وسطوة الأغنياء وأصحاب النفوذ، زمن تراخت فيه يد القانون أمام الأقوياء بالمال أو السلطان ولا تشد عودها إلا على البؤساء، زمن انتشر فيه المرض كالوباء وانتشرت فيه المنتجعات والبورتوهات من مطروح إلي سيناء.. هذا هو زمن عكاشة أو الزمن الذي أفرز عكاشة ولكن من السذاجة أن نتصور أن الرجل حالة خاصة لأن الحقيقة أن واقعنا الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي والإعلامي به ألف ألف عكاشة لأن «عكشنة مصر» بدأت من سنوات قد تصل إلي أربعين عاماً والسيد توفيق عكاشة قد نال ما نال من شهرة عكاشية بسبب اختلاف أدوات زمنه وعصره، فقد أطل على الناس من قناته «المتفرعنة» وأخذته نشوة البريق وهتاف الساذجين له وبشكل مرض انساق الرجل وراء حلم أخذ في التضخم بشكل هيستيري وترشح لمجلس النواب وحصل على أعلى أصوات حصل عليها نائب في البرلمان وهذا ما يؤكد حقيقة أن الزمن زمن عكاشة.. الزمن هو الذي صنع عكاشة وليس هو الذي صنع زمنه.. يا سادة عليكم قبل أن تهيلوا التراب على السيد توفيق عكاشة أن تشكروه وتمتنوا له لأنه قد نبهكم إلى حجم المصيبة التي نحن فيها كمجتمع، اشكروا عكاشة لأنه بكل ما فعل كان كاشفاً لحجم ونوع الورم الخبيث بحياتنا وواقعنا وحاضرنا، اشكروا عكاشة لأنه ودون أن يقصد قدم لنا خدمة جليلة قد لا تتكرر وهي أن صفعنا جميعاً على وجوهنا مرة ولم ننتبه وثانية ولم نعبأ وثالثة ورابعة وفي العاشرة صفعنا هو وضيفه على وجوهنا وقفانا – هنا أفقنا أو أستفقنا – وسقط عكاشة من قعر قفة البرلمان بشكل انفعالي وبأغلبية ساحقة.. وقد نكون استرحنا للنتيجة ولكن ما يخيفني أن ننسي أن عكاشة ليس هو الورم الخبيث ولكنه جزء صغير جداً منه.. ربما يكون أقله خطراً لأنه كان الجزء الظاهر الذي يمكن دراسته وتحليله – أما الجزء الكامن من الورم الخبيث فهو كبير وخطير ومهمة إزالته ليست مهمة برلمان ولكنها مهمة دولة إن كانت جادة في مواجهة المرض وتشخيصه والتخطيط لاستئصاله ثم استئصاله بجراحة ناجحة تنقذ بها المريض وتساعده على التعافي السريع ثم استعادة قواه الطبيعية ودوره التاريخي.. إنها مصر يا سادة ومن العار أن تتركوها للعكشنة.. لقد ذهب عكاشة لكن العكشنة باقية ولها جيشها الأخطر من داعش.

[email protected]