رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رؤية

من آن إلى آخر ينشغل بعض أهل الفكر والكتابة والبحث والتنظير والتحليل بفكرة السؤال عن هوية للمصريين وكأنهم شعب مسكين ضائع ملتاع بات لا لون له ولا طعم أو رائحة، وينتظر من النخبة ذات التفكير الفوقي العولمي التغريبي التجريبي المتسامي المترفع، باعتبارهم أصحاب العقلية المعملية الفذة أن يختاروا له الهوية، وأن في هذه الهوية التي اختاروها له الحل الأمثل لتجاوز كل أسباب التخلف والقفز إلى دوائر النجاح والتقدم على بساط الريح الجميل ومريح في لمح البصر، وإيشي خيال يا ناس على رأي بابا ونيس!

تُعقد الندوات، وتتصاعد من الحناجر صرخات الغضب من حضارات وثقافات وافدة أو غازية غيرت من مواصفات أهل بلدي الطيبين، ثم تخرج التوصيات العبقرية على شاكلة «لا تقويم ميلادي أو هجري بل مصري قديم» وبعض آخر «لا قومية عربية أو انتماء عروبي سياسي أو اقتصادي، فالانتماء مصري ومصري فقط!».

نتذكر أن زعماء الجماعة المحظورة ومرشحيها للتمثيل النيابي عقب ثورة 25 يناير قد رفعوا شعار «الإسلام هو الحل».. والحل تمثل في البنك الإسلامي، والمدرسة والجامعة الإسلامية، والاقتصاد الإسلامي.. إلخ، وانبرى بعض الأقباط من المتشددين أيضاً في رحلة البحث عن الهوية ليعلنوا أنه لا لغة لهم إلا القبطية، وإذا كان يتم الاكتفاء بترديد بعض الصلوات بالقبطية في قداسات الأحد حتى لو لم يفهمها بعض المصلين فإنهم يدعون الناس لأن يتحدثوها في منازلهم وحياتهم اليومية في تصور مريض لهوية تشكل حاجزاً عن بشر يرونهم بلا هوية بعناد رهباني متقعر موتور!

ومرة أخرى يتقعر المتقعرون فيصرخ أحدهم بتعالٍ «مصر + العرب أقل من مصر وحدها»، ولا مجال لعودة الحدوتة الناصرية مشدداً «لا للانتماء العروبي فهو يشتت جهودنا ويحملنا ما لاطاقة لنا به».. وينبري وطني «منتمي» كما يطلق على نفسه مؤكداً أن الهوية والوقوف عليها سبيلنا إلى تحقيق التقدم، وعليه يهب واقفاً المصري شديد الهوية كما يصفه أتباعه «الفكر العربي عنتري، كلام إنشائي ولا أفعال»، ويذكر للحضور ذلك المصري الهوية المسلم المتدين «مصر ذُكرت في القرآن 5 مرات» فينبري القبطي المصري المتدين «لقد جابت مصر من شمالها إلى جنوبها العائلة المقدسة.. مبارك شعبي مصر».. أما الفنان رقيق المشاعر صاحب الوجدان المصري الأصيل فهو يقدم للحضور مُقترحاً يراه عبقرياً «علينا أن نسعى لتقديم أسطورة إيزيس وأوزوريس في عرض سينمائي للتأثير في خيال الشباب لحب أمهم مصر».. ويقول عالم اللغات واللهجات الخبير في نظم التعليم «أُطالب بتدريس اللغة المصرية القديمة».. ثم يأتي دور المتابع لتجارب الشعوب في دنيا الهوية فينصح الحضور بدراسة التجربة الماليزية وشعارها «إسلامية وليست عربية» للتعلم منها أهمية فك الارتباط ما بين الإسلام والعروبة.. ثم في مشهد النهاية يقف صاحب الدعوة مؤكداً أن قضية تمصير مصر لا تحتمل التأجيل أو التسويف أو المداهنة لأنها تتعلق بهويتنا التي يجب أن نعود إليها ونحافظ عليها..

والآن، ينصرف «نخبة التوهان اللاإرادي» إلى إذكاء خناقة عبيطة وتافهة بين مؤيد لثورة يناير وآخر يؤيد ثورة يونية، وكلاهما لا يكتفي بالتأييد بل يناصب الآخر العداء ويتهمه بالعمالة والخيانة كمان، وكانت الحكاية قد اشتعلت بعد أن قسم أحد أشاوس النخبة - وكان مستشاراً للرئيس عدلى منصور - شباب الائتلافات والأحزاب السياسية إلى فريقين ليجتمع بكل منهم الرئيس على حدة، بغرابة شديدة، وكأنه لا يعلم حتى من رؤية الوجوه أن معظمهم قد شارك في الثورتين، بل في كل فعاليات انتفاضات الشباب في عصر مبارك في أيامه الأخيرة!.. لك الله يا مصر، ولا رد لقضاء الله في نخبتنا وإن كنا نطلب اللطف فيه.. ويا نخبة الندامة، عيب أنتم تتحدثون عن شعب له حضارة عريقة، وليس من أولويات المرحلة ضياع الوقت والجهد والأموال في خياباتكم.. ارحمونا!

 

 

[email protected]