رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

أول مرة ألتقى الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل اكتشفت أنه قصير.. وليس كما كنت أتصوره عملاقاً.. كصاحب أطول سن قلم تجاوز حتى قامات الرؤساء!!

والأستاذ «هيكل» قرر أن يموت كما أراد، مثلما قرر أن يعيش كما أراد.. انسحب من الحياة وأغلق غرفته عليه حتى تحين الساعة، وذلك قبل أن تنسحب منه الحياة، مثلما قرر أن يتفرغ للكتابة بعد خروجه من صحيفة «الأهرام» وليس كما أراد الرئيس السادات بتعيينه مستشاراً لرئيس الجمهورية بقصر عابدين..!!

مشكلة الراحل الكبير أنه كان صديقا للرئيس عبدالناصر، وبعد رحيل «الزعيم» المفاجئ، لم يجد زعيماً.. فصار «هيكل» هو الزعيم، وقد كان كذلك على المستوى الصحفى.. إلا أن الرئيس السادات كان يعرف أنه ليس كذلك على مستوى السياسة، ولهذا رفض السادات بالخبث الفلاحى أن يسمح لهيكل بالتفكير بدلاً عنه أو التحدث بلسانه، ورفض أن يمنحه توكيلاً ليكون هيكل المخ وهو العضلات، مثلما كان أيام الرئيس عبدالناصر.. كان هو المخ وعبدالناصر العضلات!!

والحقيقة أن الرئيس السادات كان يعرف قيمة الأستاذ هيكل كمفكر سياسى، ولذلك جعله كتب نص التوجيه الاستراتيجى لحرب أكتوبر 1973، ولم يجعله يشارك فى التخطيط للحرب، لأن السادات كان يتفوق عليه بالخبرة السياسية العملية.. فقد كان هيكل سياسياً على الأوراق، بينما السادات كان سياسياً فى الشوارع، وكان السادات محارباً، وهيكل مفكراً.. ولهذا قال السادات عن هيكل إنه لم يعد صحفيًا بل أصبح سياسيًا، وعليه أن يترك الصحافة إلى السياسة!!

صحيح أن الأستاذ هيكل.. فى لحظة ما من التاريخ، وتحديداً بعد وفاة عبدالناصر بأيام، كاد يتورط فى العمل السياسى، ككادر، مع على صبرى وشعراوى.. والمجموعة التى عرفت بمراكز القوى فى عام 1971، إلا أن ذكاءه لم يخنه، والتزم بالخط الفاصل بين الكادر السياسى والمفكر السياسى.. وهو الخط الذى يتداخل، ويلتبس على كبار السياسيين الذين يستشعرون، كذباً، أنهم يتمتعون بوجود سياسى ما، ويتصورن أن هذا الوجود يحتل مساحة لدى الجماهير.. إلا أنه عندما ينزلون إلى أرض الواقع، فى أى انتخابات لا يحصلون سوى على أصواتهم، وهذا الخلط بين الكادر السياسى والمفكر السياسى أدى إلى فراغ الشارع السياسى.. فاحتلته جماعة الإخوان وكل الجماعات المتطرفة بالضجيج الدينى بدون معركة.. فى ظل غياب السياسيين عن الشارع وحضورهم الكثيف والمزعج فى الصحف!!

أما علاقة الأستاذ والرئيس مبارك المخلوع، فقد كانت علاقة مركبة.. فقبل أن يكون مبارك رئيساً، وهو مجرد ضابط، كان هيكل بالنسبة له حاجة كبيرة لأنه يقابل ويعرف رئيس الجمهورية.. وكان يقرأ، مثل الملايين، المقالات التى كان يكتبها فى الأهرام، صباح كل يوم جمعة.. ولما اصبح هو رئيس الجمهورية فجأة.. خشى ان يتعامل مع «دماغ هيكل» حتى لا يبدو صغيراً أمام الكبير.. فاعتمد على «أدمغة» أخرى.. ليست أصغر من هيكل فقط بل من مبارك نفسه.. فكانت المأساة!!

قال أنتونى ناتنج، وزير الدولة للشئون الخارجية البريطانية فى وزارة أنتونى إيدن، ضمن برنامج عن محمد حسنين هيكل أخرجته هيئة الإذاعة البريطانية: عندما كان قرب القمة كان الكل يهتمون بما يعرفه... وعندما ابتعد عن القمة تحول اهتمام الكل إلى ما يفكر فيه!!

ولأن كل ما كان يفكر فيه الأستاذ هو ما يشغل بال الجميع عادة.. فقد كانت لديه دائماً الأجوبة.. عن كل الأسئلة، وتفسير كل الاستفسارات، وإزاحة الغموض عن الشخصيات، وتبيان المواقف حول السياسات.. كان بالفعل الأستاذ، ولكن من أستاذ.. الأستاذ؟!.. أعتقد أن «عقل» هيكل كان أستاذه الوحيد، فما كان يفكر بعقل آخر غير عقله، ولا يرى الأحداث إلا من خلال أفكاره.. ولم لا وهو الذى كان يفكر للآخرين، ويرى ما لم يره الآخرون.. ولذلك سنفتقد كثيراً من الأزمنة والشخصيات والأفكار والرؤى مع غياب الأستاذ!!

[email protected]