رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى وقت قريب كنت أضرب تعظيم سلام لثلاثي أضواء الفلسفة اليونانية.. سقراط وأفلاطون وأرسطو.. ولو أن تقديري للأول تراجع في ضوء ما ذهب إليه كثيرون من أنه ليس فيلسوفاً بحق وحقيق حيث لم يترك لنا شيئاً مكتوباً يعبر عن فلسفته وأن محاوراته التي تعبر عن ذلك إنما هي في التحليل الأخير، صناعة أفلاطونية، كنت لا أملك سوى التعبير عن الذهول من تأثير هذين الأخيرين في مسيرة الفكر الإنساني على مدى أكثر من ألفي عام وحتى الآن.

يكفي أن تعلم أنهما صبغا كل الفلسفات، في كل اتجاه، حتى الفلسفات الدينية سواء الإسلامية أو المسيحية بصبغتهما حتى إنه يقال إن القديس أوغسطين لجأ إلى ما يوصف بتنصير أفلاطون من أجل تسويغ فلسفته «فلسفة أوغسطين»، فيما لجأ توما الإكويني إلى تنصير أرسطو، وأما في الفلسفة الإسلامية فلم يجد البعض من توصيف لفليسوفنا الأكبر الفارابي سوى تسميته بالمعلم الثاني باعتبار أرسطو المعلم الأول، أما ابن رشد فقد تلبسته الأرسطية من شعر رأسه حتى أخمص قدميه فانتقلت بحلوها ومرها، إيجابياتها وسلبياتها إلى أوروبا، فيما بقي تأثير أفلاطون محدوداً في سياقنا الإسلامي.

هذه مقدمة أراها ضرورية لتفسير ما اعتبرته صدمة على مستواي الشخصي إثر ما قدمه الدكتور حسن حماد أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بجامعة الزقازيق، في كتاب له صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة وقرأته مؤخراً تحت عنوان «قصة الصراع بين الفلسفة والسلطة»، وفيه أشار إلى ما اعتبره دور أفلاطون في تمهيد الطريق للأنظمة الاستبدادية، فجمهورية أفلاطون، حسبما يذهب الدكتور حماد، بشكل خاص وأفكاره السياسية بشكل عام لها بعض ملامح الاستبداد ويبدو أن كثيراً من الأنظمة الاستبدادية قد استفادت من أفكاره فقد حكمت أوروبا في العصور الوسطى ولمدة ألف عام بنظام شبيه بذلك النظام الذي أقره أفلاطون في الجمهورية سواء من ناحية التقسيم الطبقي او من ناحية انفراد رجال الدين بالسلطة من خلال نبوغهم في المعارف الدينية والسياسية بل لقد اعتمدت معظم السياسات الكاثوليكية على فكرة أكذوبة أفلاطون الملكية.. وعن طريق هذه العقدة الأفلاطونية أستطاع حكام أوروبا أن يحكموا شعوبهم دون حاجة إلى العنف أو القوة، بل لقد قبلت تلك الشعوب أن تظل خاضعة وقانعة بعدم اشتراكها في السلطة.

ويصل بنا الدكتور حماد إلى حد الإشارة إلى أنه إذا نظرنا إلى العصر الحديث سنجد أن اسم افلاطون أصبح أكثر ظهورا في الصراعات الأيديولوجية الحديثة خاصة بعد وصول الاشتراكية الوطنية بقيادة هتلر إلى السلطة في ألمانيا واتجاه عدد من المفكرين الألمان الرسميين إلى بيان أوجه الشبه بين دولة أفلاطون وبرنامج الرايخ الثالث، وقد وصل الأمر إلى حد أن أحد الفلاسفة في جامعة برلين صرح أنه الآن ولأول مرة تحققت فكرة أفلاطون عن الدولة.

من الغريب أن الدكتور حماد وفي إطار ما يمكن أن تعتبره كشفا لاستراتيجيات أفلاطون لتحقيق أهدافه أو رؤيته يشير إلى أنه كان لا يتردد في استخدام أي وسيلة حتى إن كانت مشروعة لتزييف الوعي الاجتماعي. ويوضح هنا أن أفلاطون يلجأ إلى ما يسمى الأكاذيب الملكية من أجل إقناع الشباب الذين فشلوا في اختبار قادة الحكم خوفاً من أن يقوموا بثورة أو تمرد تعيد إلى خياله صورة الحكم المفزع، ومؤدى هذه الأكاذيب أن نبين لهؤلاء الشباب أن تلك الطبقات التي قد انخرطوا فيها هي من صنع الله فهناك بشر خلقهم الله من ذهب ووضعهم في قمة الخلق وهؤلاء هم الحكام والقادة وهناك بشر خلقهم الله من فضة وهؤلاء يصلحون للجيش وبقية البشر من معدن الحديد وهؤلاء لا يصلحون إلا للزراعة والصناعة.

ويختم المؤلف تناوله لهذا الجزء المهم الذي يعتبر بمثابة الكشف عن جانب جديد من فلسفة أفلاطون بالإشارة إلى أن النوايا الحسنة لن تجدي نفعاً في مجال الحياة السياسية، خاصة إذا ما تعلق الأمر بمصير الشعوب وأنه مهما التمسنا لأفلاطون من أعذار فإن نظرته الفاشية للجماهير على أنها قطيع لابد له من راع وأنها تفتقر في نظره إلى الذكاء والتجربة وتحتاج دائماً إلى حاكم مطلق يرسم لها معالم الطريق، فإن ذلك لا يبرر بأي حال ما وصل إليه من تشريع للاستبداد.

قد لا يكون أفلاطون نسيجاً وحده في التأسيس لأيديولوجيا الاستبداد، ولا شك أن قواعد هذه الأيديولوجيا شهدت تطويرات عديدة على أفكار أفلاطون حتى في عصرنا الحاضر، وهو ما يغرس بذور الشك في أنه يمكن لنا أن نتخلص من هذا الاستبداد على الأمد القصير أو حتى الطويل، باعتبار أنه يرتقي ليصبح صفة إنسانية أصيلة!.. إذا كنت ترى أن كلام الفلاسفة هراء، فأعتذر لك عن شغلك بهذه السطور التي قد يبدو لك أنها لا تهمك رغم أن شعورك ذاك، من وجهة نظري، غير صحيح!

 

[email protected]