رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

كانت والدتى، وزيرة اقتصاد بيتنا باقتدار، وخبيرة مالية صعيدية متفردة فى التعامل مع الميزانية العامة للبيت، ورغم محدودية إيرادات الميزانية التى تتمثل فى مرتب والدى، فقط، فى مقابل الزيادة المستمرة فى المصروفات، حيث كنا عشرة أبناء فى منزل واحد.. وفى أعمار متقاربة، ففى وقت من الأوقات كان بعضنا فى الجامعات، والبقية لازالوا فى المدارس.. إلا أنه لم يحدث مرة أن واجهنا أو شعرنا، نحن الأبناء، بأزمة كبيرة فى الاحتياجات الأساسية للبيت، سواء فى الأكل والشرب أو فى الملابس أو فى مواسم الأعياد أو دخول المدارس، لأنها كانت، رحمها الله، تتعامل بكفاءة فى تعظيم قيمة الإيراد، وهو مرتب الوالد، رحمه الله، والترشيد فى النفقات، بما لا يؤثر على مستوى معيشتنا، المتوسطة، ولا على تعليمنا أو علاجنا أو بهجتنا فى الاعياد بالملابس الجديدة.. وكان نتيجة كل ذلك أن علمت كل أولادها، وزوجت بناتها، واستكملت بناء البيت ليصبح خمسة أدوار، الذى تزوج فى شققه عدد من الأشقاء بل وأحد الاحفاد الأن.. وقد تفوقت فى ذلك على معظم وزراء المالية ومحافظى البنك المركزى على مدى تاريخ مصر المعاصر!!

وأزمة مصر ان إيراداتها أقل من مصروفاتها.. والمفاجأة أن هذا أمر عادى لكل الدول، الكبيرة والصغيرة، بما فيها أمريكا وأوروبا، وليست مشكلة مصر وحدها فى العالم.. ولكن ازمة مصر الاقتصادية الحقيقية نابعة من فشلها فى تعظيم الفائدة من إيراداتها، مثلما فعلت، أمى مع مرتب والدى، وزيادة المصروفات أو النفقات ولذلك تعانى من عجز حاد فى الميزانية بشكل مستمر، وتضطر الى تقليص النفقات على التعليم، فيكون التعليم بالمستوى المتواضع الذى نراه، وانفاق القليل على المستشفيات والصحة العامة.. فيكون نصف الشعب من المرضى، والمستشفيات أماكن لإعدام المرضى وليس لإعدام المرض.. ونفس الشىء فى الصناعة والزراعة والتجارة، وحتى السياحة، وما يسمى بالقوى الناعمة المصرية، الثقافة والفنون.. كلها تنهار واحدة تلو الأخرى، لأن الدولة توقفت عن ضخ استثمارات للصيانة والتطوير والتحديث فى كل هذه المجالات. والمأساة الكبرى انها تصرفت بالبيع فى أصولها الصناعية من مصانع كبيرة وعريقة وشركات فى الوقت الذى تسعى فيه الدول الى بناء مصانع ومؤسسات للمنتجات المستجدة مثل الكمبيوتر والموبايلات بالإضافة الى التوسع فى صناعة السيارات والأجهزة الكهربائية.. وبمناسبة السيارات، فقد كانت مصر من أوائل الدول العربية والأفريقية التى أنشأت مصنعاً للسيارات، وعندما توسع العالم فى انتاج السيارات، وكذلك فى استهلاكها.. تحول مصنع السيارات المصرى الى خردة!!

فماذا فعلت، والدتى، يا سيادة الرئيس، لسد الفجوة بين الإيرادات والمصروفات.. بزيادة الإنتاج المنزلى وتعظيم الفائدة من مرتب والدى وذلك من خلال الحد من زيادة الإنفاق على شراء الخبز من الافران ببناء فرن لخبز العيش فوق سطح المنزل، خاصة وان أسعار الدقيق لم تكن مرتفعة وقتها، ثم قامت بتربية الطيور، من فراخ وحمام وبط وأوز على نفس السطح، حتى قبل عيد الأضحى بشهرين تقوم بشراء خروف بسعر قليل جدا لأنه يكون صغيرا، وسعره اقل عن سعره فى موسم العيد.

وكانت الوجبات الأسبوعية محددة، يوم لحوم، ويوم طيور (من المنزل) ومرة سمك.. وبقية الأسبوع يا اما عدس او بصارة او بدنجان مقلى وفلفل، ولم يكن هناك تيك أواى أو دليفيرى سوى سندوتشات الفول والطعمية!!

اما بالنسبة للملابس فقد كان يتم توزيع اقمشة الكستور للبيجامات على بطاقات التموين فقامت بشراء ماكينة خياطة بالتقسيط لتفصل لنا البيجامات فى البيت بدلا من شرائها من المحلات، حتى تتمكن من شراء كل ملابسنا الأخرى من المحلات، وبالمناسبة كان يتم الاتفاق بين شركة السكر التى كان والدى موظفا بها، وبين هذه المحلات لتقسيط مشتريات الموظفين من الملابس والاحذية بأن تدفع الشركة للمحلات ثم تخصم من المرتبات شهريا جنيهات قليلة، يضاف الى ذلك كان والدى يدخل جمعيات، ويعمل عملاً إضافياً داخل الشركة لزيادة الراتب حتى يتمكن من توفير مبلغ عند زواج إحدى بناته لجهازها أو دخول احد الأبناء للجامعة أو لبناء دور سكنى جديد بالمنزل.. وغير ذلك. هذا ما كان يفعله والدى ووالدتى ببساطة وإرادة وإصرار وبصبر شديد، وبتحمل أزمات مفاجئة مثل دخول ثلاثة أبناء للجيش بعد نكسة 67 وهو الذى كان ينتظر تخرجهم ليعملوا حتى يخففوا عنه على الأقل مصروفاتهم ويكفلوا بأنفسهم ولكن ما حدث انه استمر بالإنفاق عليهم وهم فى الجيش!!

هذا ما كانت تفعله والدتى ووالدى، وكل أم وأب مصرى، فى التعامل مع الميزانية العامة للبيت، فى ظل محدودية الإيرادات، وزيادة المصروفات ورغم ذلك تمكنا من تربية وتعليم وتوظيف وتزويج عشرة أبناء وبنات.. وقد نجحوا فى ذلك بجدارة.. بينما كل رؤساء الجمهورية ورؤساء الوزارات ووزراء المالية والاقتصاد فشلوا فى ذلك!

montasir[email protected]